فى إحدى قرى محافظة الشرقية وبالتحديد قرية «طاروط» ذاع نجم كروان القراء كما يلقب بين قراء مصر والعالم الإسلامى, الشيخ الدكتور عبد الفتاح على الطاروطى الذى تميز بالأداء القوى والصوت العذب والحنجرة الماسية, شهد له كبار القراء فى العالم الإسلامى, وقال عنه الشيخ الطبلاوى نقيب القراء إنه ملك الانتقال النغمى فى التلاوة, شق «الطاروطى» طريقه وسط عمالقة التلاوة فعشقهم وعشقوه لأدبه وتواضعه الجم, وذلك ليس غريبا على قارئ شب فى بيت يتلى فيه القرآن آناء الليل وأطراف النهار, اختير محكما فى المسابقات الدولية للقرآن الكريم وقد سافر إلى العديد من دول العالم الإسلامية والغربية، وبدأت أولى رحلاته القرآنية بدعوة من المركز الإسلامى فى «أوكلاند» بولاية سان فرانسيسكو الأمريكية, وفى عام 2000 سافر الطاروطى إلى إسبانيا بدعوة من مركز الملك خالد الإسلامى لإحياء ليالى رمضان وقد أسلم على يديه خمس سيدات واختارته وزارة الأوقاف لثلاثة أعوام متتالية رئيسا لبعثتها لإيران, أيضا سافر إلى تركيا وذهب إلى جنوب أفريقيا, إلى جانب زياراته المتعددة للكثير من البلدان الإسلامية قارئا ومحكما دوليا لمسابقات القرآن العالمية, ولم ينس قريته التى يعشقها فأنشأ بها مركزا إسلاميا كبيرا يشرف عليه بنفسه خدمة لأهل القرآن وقرائه فعشقه أهل بلدته وأحبوه, التقيناه فى بلدته فكان هذا الحوار معه. بداية: ما حدود تأثير البيئة المحيطة بك على شخصيتك؟ - منذ نعومة أظافرى، وفي سني حياتى الأولي من عمرى تعلق قلبى وعقلي بعشق قراءة القرآن ودراسته وتحصيل علومه، فوالدى كان رجلاً صالحاً حافظاً لكتاب الله، وأمى محبة لأهل القرآن، وفي هذه الأسرة نشأت علي حبٍ ملأ قلبى ووجدانى ألا وهو حب القرآن. هل حصلت علي دراسات علمية في علم القراءات؟ - ليست في علوم القراءات، لكنني خريج كلية أصول الدين قسم الدعوة الإسلامية، ثم حصلت علي ماجستير في الدعوة الإسلامية أيضاً، ودكتوراة فخرية من باكستان «2003» وأنا الآن كبير أئمة بدرجة مدير عام بالأوقاف. العلم في الصغر كالنقش علي الحجر فما نصيحتكم للصغار وأولياء أمورهم في تفعيل ملكة الحفظ لديهم؟ - عليهم أن يهتموا بعلوم القرآن كما يهتمون بالمواد الثقافية وحشو عقل الطفل بها وألا يحرموا أبناءهم من علوم الدين، فهي حصن وحماية لهم خاصة في عهد الفتن والابتلاءات والخلافات فأعتقد أن أي إنسان كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: «القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب»، فلابد من استغلال فترة صغر الطفل وذاكرته، خاصة أنها تكون مهيأة في هذا الوقت لاستقبال أي معلومة دينية تستقر في نفسه فتنعكس عليه في أخلاقه مع والديه وسلوكه في المجتمع، بل بالعكس تفتح آفاقاً أكثر في الدراسة، حيث إن حفظ القرآن يعمل علي توسيع مدارك الطفل، ويجعله أشد تحصيلاً للعلوم الدنيوية ما دام حافظاً للقرآن الكريم. وهل لابد لدارس القرآن وقارئه من تعلم المقامات الموسيقية؟ - ليس شرطاً ولكنه لاستكمال الأداء الأمثل والأجمل وكي يصل أداؤه إلي الناس بصورة حسنة، وأفضل طريق أن يكون أداؤه ليس فيه نشاذ، ومعني ذلك أن يكون ملماً بالمقامات، لكن مشايخنا ممن سبقونا لم تكن المقامات عندهم هي الأصل، بل كان الإحساس بالقراءة هو الأصل، لكننا في هذا الزمان نهتم بالمقامات أكثر مما نهتم بفهم معني القرآن الكريم. من المشايخ الذين تتلمذت علي يدهم وهل كان من بينهم أحد القراء الكبار المشهورين؟ - سيدنا الشيخ عبدالمقصود النجار أطال الله في عمره، فهو مازال موجوداً، وسيدنا الشيخ نبوي أحمد ثم والدي كان في المقام الأول هو المؤسس والمراجع ثم من تعلمت علي أيديهم أحكام القراءة ورواية حفص عن عاصم ورواية ورش عن نافع، كان سيدنا الشيخ مصطفي أحمد عبداللاه، وهو من كفر محمد حسين بمدينة الزقازيق. عندما يستمع الشيخ «الطاروطي» إلي القرآن فمن يحب سماعه من القراء قديماً وحديثاً؟ - أعتقد أن القارئ الماهر الذي يريد أن يطور نفسه وأن يحسن من أدائه لا يستغني أبداً لا عن القديم ولا عن الحديث، فأنا عاشق للمدارس القديمة ومتيم بالمدارس الحديثة ومن الممكن أن يكون سر تفوقي ونعمة الله عليّ أنني استطعت أن أجمع بين القديم والحديث وأقدمه بصورة جديدة أحس الناس أن فيها تطويراً وابتكاراً وإبداعاً وفهماً أحسن من أنني أصنف نفسي أنني مع القديم أو أنني أوصف بأنني مع الحديث بالعكس، فمسألة أن تجمع بين الأصالة والمعاصرة، هذا أمر يحتاج إلي فكر جديد وإلي مجهود وإلي رؤية تستطيع أن تضعك في الصفوف الأولي بين أهل القرآن. مصر دائماً كانت مشهورة بقرائها العمالقة فهل توقف إخراج مثل هذا الجيل من العمالقة وما رأيك؟ - بالعكس.. فما زالت هذه الأقاويل تتردد علي مدار الأزمنة، فقد قيلت منذ «50» سنة و«20» سنة، و«10» سنوات ومازالت تتردد وبالرغم من ذلك فأجيال القرآن تثبت جودتها وتثبت قوتها في أنها استطاعت أن تلفت أنظار الناس وأنظار العالم إليهم، وأنا واحد من هؤلاء الناس الذين التحقت بالإذاعة عام 1993 وزرت الكثير من بلدان العالم، وكرمت في أكبر دول العالم، وحضرت مؤتمرات إسلامية دولية وعالمية ومحكم في كثير من المسابقات الدولية، ولو أننا توقفنا عند الماضي ما كان يتوقع لنا أن نتقدم خطوة واحدة وأن يسافر أحدنا خارج مصر، لكن بالتأكيد هناك تطوير فالأجيال الموجودة أخذت خبرات السابقين وأضفت عليها من استخدام أدوات الانفتاح العلمي مثل الكمبيوتر والإنترنت، فالجيل الماضي حُرم من كثير من التقنيات الحديثة التي كانت تخدمهم، لكننا كجيل حديث استخدمنا هذه التقنيات فأوصلت أصواتنا إلي كثير من قارات العالم. بعض القراء يلجأون إلي إطالة أنفاسهم بالتنفس أثناء القراءة وهو المعروف ب «سرقة النفس»، فما الحكم في هذا؟ - لا أحبذ ذلك، لأن القرآن ليس بالكم، وإنما القرآن دائماً بالكيف، وإلا لما اجتهد العلماء ووضعوا لنا علم الوقف والابتداء لأنه يعطي جملاً، فالقارئ الذي يريد أن يطيل نفسه حتي يقنع المستمع بأنه ذو قدرات خاصة، فإذا كانت هذه القدرات يستخدمها في موضعها فلا حرج في ذلك، لكن ليس مطلوباً طول النفس في كل الآيات القرآنية، ولذلك هناك آيات في القرآن لا تتعدي كلمة أو كلمتين كقوله تعالي: «ن والقلم وما يسطرون» والسنة أن تقف علي رؤوس الآيات، وربما لم تأت الإطالة بثمارها ونتائجها الإيجابية في خدمة القرآن الكريم. ما أهم المواقف التي صادفتك أثناء سفرك للخارج؟ - هناك مواقف كثيرة، فإذا كانت مواقف يجب أن نفتخر بها فهي التكريم والتقدير بالغ الحفاوة من شخصيات رفيعة المستوي فكانت تستقبلنا علي سلالم الطائرة وننزل في أفخم الفنادق، فهذه مواقف لا تنسي، وهذا ما رأيناه في إيرانوباكستان وفي تركيا، أما ما رأيته في الهند فهو شيء لا يصدق، فلو أننى قلت عدد من كانوا يجلسون أمامي ليشاهدوني في تلك المحافل فلن يصدقه أحد إلا إذا شاهد ذلك علي اليوتيوب مباشرة، ويري أنني أجلس وأمامي «2» مليون مستمع للقرآن، حتي أن أعلي الكاميرات والتي ترتفع لأكثر من ثمانية أمتار لا تستطيع أن تغطي العدد الموجود في الحفل، وهذا دليل علي أن القرآن له تأثيره في قلوب المسلمين وغير المسلمين، فقد كان ضمن الحاضرين أشخاصاً بوذيين وعلي غير ملة الإسلام، وهناك شخصيات كثيرة أسلمت عند سماعها القرآن.