أثارت حوادث التحرش والاغتصاب التي حدثت في ميدان التحرير مؤخرا العديد من علامات الاستفهام وطرحت الكثير من الأسئلة عن أسباب تفشي هذه الظاهرة، وهل السبب الانفلات الأخلاقي وتراجع القيم وغياب الوازع الديني؟ أم أنها بسبب الظروف الاقتصادية؟ خبراء نفسيون تحدثوا عن سيكولوجية المتحرش. الدكتور وليد نادي الباحث بمعهد الدراسات التربوية في جامعة القاهرة أكد في بحث له أن التحرش أحد أشكال العنف الشائعة التي تنتهك خصوصية الفرد وحقه في الحفاظ علي جسده وشعوره بالأمان الاجتماعي والنفسي وحذر من آثاره الهدامة علي الفرد والمجتمع. وتطرق الباحث الي عدة أسباب لظاهرة التحرش منها تراجع القيم في المجتمع وسيطرة المادة علي كل شيء ونظرة المجتمع الي المرأة باعتبارها مخلوقا أدني أو أنها خرجت الي الشارع وإلي الحياة العامة لتزاحم الرجل وتخطف منه فرص العمل لهذا يتركها تواجه مصيرها، وأضاف أن الخطاب الديني والإعلامي له أثره علي تفشي الظاهرة فالخطاب الديني المتشدد نحو المرأة جعلها جسدا مرغوبا بالفطرة الطبيعية لدي الذكور، والخطاب الإعلامي الفاسد القائم علي المصالح والماديات استخدم جسد المرأة للترويج للسلع والأفلام والأغنيات كما يبعث رسائل الي المشاهد مفادها أن المرأة جسد جميل مليء بالإغواء والإغراء ونداءات المتعة. وأضاف أن هيئة وسلوك الشخص المتحرش به والمكان المتواجد به والحضور الأنثوي في كل مكان وكل موقع والاقتراب بين الجنسين في الشارع والمواصلات وأماكن الدراسة أو العمل من أسباب تفشي الظاهرة، مضيفا أن عدم تطبيق القوانين التي تصدرها الدولة لردع المتحرش يزيد من حدة الظاهرة. المتحرش العرضي الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر وضح سيكولوجية المتحرش والمتحرش بها وأشار الي أن هناك عدة تسميات للمتحرش، منها المتحرش العرضي وهو يشكل غالبية المتحرشين وهذا الشخص ليس مريضا وليس دائم التحرش بل شخص أو أشخاص أتاحت له أو لهم الظروف أن يتحرش أو يتحرشوا وذلك تحت ضغط الحرمان الجنسي أو الإثارة أو الصدفة، وهذا النوع لا يعاود فعل التحرش كثيرا إلا إذا وجد أنه لم يعاقب عليه، أما المتحرش المرضي فهذا النوع يعاود التحرش كثيرا لأن لديه دوافع قوية ومستمرة في المعاودة، وذكر عدة أنواع من هذا النوع منها الاستعرائي وهو الشخص الذي يقوم بتعرية أجزاء جسمه أمام الفتيات ويشعر بالنشوة والمتعة حين يري علامات الدهشة والخجل علي وجه ضحاياه وهو لا يحتاج من فعل التحرش أكثر من مجرد الاستعراء. أما النوع الثاني الذي يندرج تحت عنوان المتحرش المريض هو المتحرش التحككي وهو الذي يقوم بالتحكك بالجنس الآخر في وسائل المواصلات وفي الأسواق وفي الأماكن المزدحمة بوجه عام وهو يمارس الاحتكاك في البداية غير مقصود فإذا غضبت الضحية ربما يعتذر لها أما اذا سكنت وتقبلت ذلك فإنه يواصل تحككه لها. وعن النوع الثالث قال «المهدي» هذا النوع يسمي السادي وهو الذي يستمتع بإيذاء من يتحرش بها وإهانتها ويستمتع بنظرة الضيق علي وجهها. وهذه الأنواع كما أوضح أستاذ الطب النفسي تعبر عن الانحرافات الجنسية وكونها انحرافات لا يعني أن هؤلاء الأشخاص يعفون من المسئولية تجاه أفعالهم فهم مسئولون عرفا وقانونا عما يفعلون، وذووهم مسئولون عن البحث عن المساعدة العلاجية المتخصصة وفي حالة إهمالهم للعلاج وتورطهم في مثل هذه الأفعال الشائنة فإن العقوبات القانونية التي يواجهونها جزء من علاجهم وتقويمهم. أما بالنسبة لسيكولوجية المتحرش بها فهي إما عرضية أو هيسترية أو سيكوباتية، وعن النوع الأول وهي العرضية يقول «المهدي» هذه النوعية تشكل غالبية المتحرشات بهن فهي قد تتعرض للتحرش بالصدفة ولم تسهم بأي شكل من الأشكال في حدوث التحرش وغالبا تكون محتشمة ولم تحاول أن تثير غرائز المتحرش وإنما تصادف أنها تواجدت في طريق هذا المتحرش الذي يبحث عن أي ضحية. أما الهستيرية فهي التي تبالغ في زينتها وإظهار محاسنها ومفاتنها وتكون لافتة للنظر لأنها في داخل نفسها تبحث عن الاهتمام والإعجاب، فهي بالتالي تثير رغبة المتحرش تجاهها فيعتقد أن مبالغتها في زينتها دافع للتحرش بها علي الرغم من أنها هي نفسها تضيق جدا بأعمال المتحرش فهي تريد الاهتمام والإعجاب. أما النوع الثالث فهو السيكوباتية وهي المرأة سيئة السلوك التي تسهل للمتحرش عملية التحرش بها لكي تقوم بعد ذلك بإهانته وابتزازه بحصولها علي المال مقابل سكوتها علي من تحرش بها. وكان عالم النفس الشهير إبراهام ماسلوا وضع ما يسمي بهرم الاحتياجات، فوضع في قاعدته الاحتياجات الأساسية أو البيولوجية وهي الطعام والشراب والمسكن والجنس ويعلوها الاحتياج للأمن ويعلوه الاحتياج للحب ثم التقدير الاجتماعي وتحقيق الذات وإذا فقد الإنسان أحد هذه الاحتياجات أو بعضها أو أغلبها فإنه يسعي لإشباعها من نفس نوع الاحتياجات الروحية وإنه اذا فقد أي عنصر من هؤلاء فإنه يلجأ الي التحرش و الانغماس في الجنس أو القمار أو المخدرات في محاولة منه لسد فجوة الاحتياج المفقود. وبالنظر الي ظاهرة التحرش التي تعم البلاد وما حدث في التحرش يمكن القول إن هؤلاء الشباب فقدوا القدرة علي الإشباع الجنسي بطريق شرعي فانطلقوا يعوضون هذه الاحتياجات المفقودة من خلال التحرش. الدكتور سيد عبدالعظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة أشار الي أن السيكولوجية لها أبعاد في شخصية هؤلاء المتحرشين إذا لم يكن عملا مدبرا مضيفا أن أحداث التحرير عليها الكثير من علامات الاستفهام والكثير من الدلالات. وقال: هذه الظواهر تنتج الكثير من هؤلاء ونجد أن الغالبية منهم من صغار السن وفي مرحلة المراهقة بالإضافة الي الأماكن التي يعيشون فيها والتي يغلب عليها الزحام والعشوائية. ويري أستاذ علم الاجتماع أن الكثير منهم متسرب من التعليم وأن مثل هؤلاء لا تجد أحدا منهم يربي أحدا فالكل في ضياع الأب والأم في ضياع والأبناء هكذا، وأن مثل هؤلاء لا يجدون فرصة للتربية والأخلاق أو التعلم وكذلك الدين يكون بعيدا عن هؤلاء. وأوضح أن هذه المناطق لا تجد المرأة فيها أي احترام أو تقدير وأن إهانة المرأة في هذه البيئة جزء من حياة هؤلاء. وتمت إهانة وإذلال المرأة علي مستوي الأسرة. وطالب أستاذ علم الاجتماع بردع هؤلاء لأن الردع وتطبيق القانون والقبضة الأمنية ضرورة لمكافحة الجريمة، وطالب بعمل حملات توعية بجرعات مكثفة لمثل هؤلاء وأن تكون هذه الحملات شاملة وعلي مستوي الجمهورية. كما طالب الإعلام بالقيام بدوره في التوعية والتخلي عن إهانة المرأة في المسلسلات والأفلام والتي تستخدم المرأة كمصدر للإغراء. وأرجع تفشي هذه الظاهرة لزيادة البطالة والمخدرات التي يتعاطاها أمثال هؤلاء ووضعهم الاقتصادي والذي يشعرهم بأن أملهم في الزواج حلم بعيد المنال. التحرش درجات الدكتورة سامية الصغير أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس قالت: التحرش درجات ولكن من المفزع أن يصل الي أقصي درجاته كما شاهدنا في التحرير بعد إعلان فوز المشير وبعد تنصيبه، وأشارت الي أنها تشير الي أن هناك وضعا ممنهجا لارتكاب الجريمة. وطالبت باحترام الأنثي من الصغر والمساواة بينها وبين الولد في كل شيء حتي لا تشعر بالإهانة منذ طفولتها. وأشارت الي دور الإعلام والإشارات والإيحاءات التي ترسلها العديد من المسلسلات و البرامج والأفلام، وأن مثل الأفعال تزيد من تفاقم المشكلة وطالبت الجميع بأن يسموا بالغرائز ويحترم المرأة بدلا من إهانتها. وعن سيكولوجية المتحرش قالت أستاذ علم الاجتماع: هو «مش متربي» وليس لديه قيم اجتماعية ويتجه الي القيم الجنسية الرذيلة التي تصل الي البجاحة. ولخصت سيكولوجية المتحرش في عدد نقاط أولها عدم التربية والبجاحة بالإضافة الي القدوة السيئة وأن سيكولوجية هؤلاء تكون خارجة عن نطاق الآداب العامة للمجتمعات، وأضافت أن هؤلاء يعيشون في بيئات مهمشة بحاجة الي إعادة النظر فيها والاهتمام بها.