مرت العلاقات الخليجية- الإيرانية بمراحل طويلة من الصراع المتأجج، بدأت بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ورفع نظام الزعيم الروحي للثورة آية الله الخميني شعار تصدير الثورة إلي الدول العربية والإسلامية. وزاد من حدة هذا الصراع الذي تحول بمرور الوقت إلي عداء مزمن، بروز أطماع إيرانية في لعب دور إقليمي جامح في بعض دول المنطقة، مثل العراق وسوريا ولبنان.. يضاف إلي ذلك الدور الإيراني في تأجيج النزاعات الطائفية بدول الجوار.. ما اعتبرته هذه الدول عبثاً مرفوضاً بشئونها الداخلية. وكانت حرب الرئيس السابق صدام حسين ضد إيران في عام 1980، ودعم دول مجلس التعاون الخليجي ل«صدام» في هذه الحرب، بمثابة المحرك الذي خلق توتراً متصاعداً في التوازنات الإقليمية والأمنية، التي وضعت المنطقة بكاملها فوق فوهة بركان.. وهو وضع بات يهدد بانفجار هائل- إذا ما استمر الصراع- لن تنجو من حممه المدمرة أي من دول المنطقة. ولعل هذا الخطر قد بدأت مقدماته تلوح في الأفق، علي خلفية الأزمة السورية، ودور طهران فيها.. ثم اتفاق جنيف النووي بين الغرب وإيران، وما تبعه من مخاوف منطقية ومشروعة لدي دول الخليج الكبري من «الفاتورة السياسية» لهذا الاتفاق، والتي يمكن أن تحظي طهران بموجبها بدور إقليمي أوسع يؤدي إلي خلل كبير في موازين القوي بالمنطقة.. كما يخلق صراعاً مدمراً داخل البيت الخليجي نفسه.. وهو ما كاد يحدث بالفعل، متمثلاً في الأزمة الحالية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جانب، ودولة قطر المنحازة لإيران من جانب آخر.. وبات هذا الوضع الخطير يثير المخاوف من انفراط عقد مجلس التعاون الخليجي.. وتحطم أحلام القوة الإقليمية علي صخرة النفوذ الإيراني المتنامي.. وهو ما يضع دول المنطقة الآن أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما الصدام أو الحوار.. فأيهما تختار هذه الدول؟ هذه المقدمة الطويلة.. لابد أن يؤخذ مضمونها في الاعتبار إذا ما أردنا فهم مغزي وتبعات تلك الزيارة الاستثنائية.. والتاريخية.. التي قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلي إيران خلال اليومين الماضيين، حاملاً رسالة سياسية واضحة، تعبر عن رؤية جميع دول الخليج العربية، وهي أهمية تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الدائمة.. القائمة علي حوار أساسه احترام سيادة الغير، وعدم التدخل في شئون الآخرين، وعدم اتخاذ مواقف من شأنها زعزعة الثقة في الجيران. تأتي هذه الزيارة لتجيب عن سؤالنا المطروح في السطور السابقة: أيهما تختار دول المنطقة.. الصدام أم الحوار؟ لتؤكد أن الخيار الأفضل هو الحوار.. خاصة أن إيران تحت قيادة الرئيس المنتخب- المعتدل- حسن روحاني قد أطلقت حملة سياسية هادفة إلي التقرب مع جيرانها الخليجيين.. وهي حملة تعبر عن رغبة حقيقية لدي طهران التي ندرك جيداً ان لتحقيق هذا التقارب «فاتورة سياسية» أيضاً لابد من سدادها لإرضاء الطرف الآخر في الحوار. بالتأكيد.. ان هذا التقارب التاريخي هو بداية رياح تغيير في توازنات القوي والعلاقات الاستراتيجية بالمنطقة.. فهل نحن في مصر بعيدون عن مرمي هذه الرياح؟ بالطبع لا.. فمصر من البداية في قلب العاصفة.. ونتصور أن الدعم الخليجي المتزايد لمصر بعد ما يطلق عليه سياسياً مصطلح «الربيع العربي»، ما هو إلا أحد أشكال محاولات تأكيد النفوذ الخليجي في المنطقة مقابل النفوذ الإيراني، عبر تكوين تحالف استراتيجي مع مصر ذات الوزن الإقليمي الكبير والمؤثر.. وذلك في أعقاب محاولات من إيران للتقارب مع الملف المصري عبر دعم نظام الإخوان المسلمين ودعوة الرئيس المعزول محمد مرسي لزيارة طهران.. وكذلك زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلي القاهرة في عهد «مرسي».. وتحديداً في فبراير 2013 وهي أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني لمصر منذ نحو 34 عاماً. لكن «مرسي» سقط.. وسقطت معه أحلام الإيرانيين.. وبقي التحالف المصري- الخليجي هو الأبقي والأقوي.. وسيظل كذلك لأنه تتوافر له كل أسباب وعناصر الدوام والاستقرار.. سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتاريخياً ومذهبياً وقومياً. نقولها مرة أخري.. وبوضوح: إن ثمة رياح تغيير سياسي تهب علي مصر من بوابتها الشرقية إلي دول الخليج العربي.. واننا في مصر تحت قيادة الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي الذي يحظي بدعم وتقدير كاملين من غالبية قادة وشعوب دول الخليج العربية جزء من هذا التغيير.. ومستعدون للتفاعل مع مفرداته وأدواته.. وسوف نكون بالتأكيد طرفاً فاعلاً ومباشراً في الحوار الأوسع والأعم الذي ستحركه زيارة أمير الكويت إلي طهران، انطلاقاً من رؤية واقعية وموضوعية قائمة علي أن استقرار المنطقة وتجنيبها مخاطر الصراعات الإقليمية هو هدف استراتيجي وسلاح فعال في مواجهة مخططات ومؤامرات الكيان الصهيوني الساعي إلي تمزيق المنطقة وإضعاف دولها وإغراق شعوبها في الحروب والفقر والصراعات، تحقيقاً لأطماعه التوسعية الاستمعارية الشيطانية.