«بوكو حرام.. عمال المناجم فى تركيا.. المذابح فى ساحل العاج.. مأساة سوريا.. الحرب العبثية بين إسلاميين متطرفين في مالي وسكان تمبكتو».. أحداث سياسية دموية سيطرت على أجواء مهرجان كان هذا العام.. ويبدو أن ما بين الحين والآخر تلعب السياسة دور البطولة فى مهرجان كان فبداية من حكاية خناقة تحية كاريوكا وسوزان هيوارد ومرورا بطرد المخرج الدنماركي لارس فون ترير.. ومنع عرض الفيلم السينمائي «معادي السامية» للمخرج الفرنسي ديف دونة... والاحتفاء بفيلم جاسوس الثورات العربية برنار ليفى «طبرق».. وانتهاء بصعود «سلمى حايك» سلم المهرجان حاملة لافتة كتب عليها «أعيدوا لنا بناتنا» تضامنا مع الحملة الدولية المطالبة بالإفراج عن الفتيات المختطفات في نيجيريا من قبلة جماعة «بوكو حرام» التكفيرية. لفتت سلمى حايك الانظار اليها فى مهرجان كان ليس بسبب أناقة فستانها الزهرى، ولكن عندما صعدت سلالم المهرجان حاملة لافتة كتب عليها «أعيدوا لنا بناتنا» تضامنا مع الحملة الدولية المطالبة بالإفراج عن الفتيات المختطفات من قبل مسلحي حركة «بوكو حرام» الاسلامية الذين اختطفوا أكثر من 100 طالبة من مدرسة ثانوية في ولاية بورنو الشماليةالشرقية.. ومن المعروف أن «بوكو حرام» ترفض تعليم البنات وتعتبره من أفكار الغرب الكافر.. وغالبا ما تبيعهم كسابية لشيوخ القبائل النيجيرية..وسبقتها إلى ذلك في حمل اللافتة صديقتها الممثلة الفرنسية جولي جاييه، الصديقة السابقة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.. فى نفس الوقت خيم على المهرجان حالة من التعاطف والحزن تضامنا مع مأساة انهيار منجم تركيا ،فعند عرض فيلم «نعاس الشتاء» للتركي نوري بلجي جيلان وصعود المخرج وفريقه البساط الأحمر لحضور الفيلم حاملين على بدلاتهم شارة الحداد على عمال المناجم الذين ماتوا في حادثة مأسوية هزت تركيا قبل أيام، ووقفت القاعة تكريما للمخرج وحزنا على العمال..أما المأساة السورية فلفتت الانظار لها بعد انتهاء عرض فيلم «ماء الفضة» حيث ضجت القاعة بالتصفيق الحار لدقائق طويلة من قبل جمهور مهرجان كان، وقالت المخرجة «وئام بدرخان» باكية: «كل شيء الآن، البشر والحجر والأرض والسماء وحتى النجوم، كل شيء قتل أمام عيني، ورغم ذلك عدت إلى هناك بلدي مدينتي، لا شيء بقيمة بلدي الذي يقتله بشار الأسد الآن. لابد من التحرك سريعا، أنا جئت من هناك»، وسقطت على الكرسى وهي تصرخ: «أكلنا الحشائش، لا شيء يأكل هناك، والحيوانات تأكل بعضها، لا غاز ولا كهرباء، إنها جريمة العصر نفذها بشار ضدنا» ..وفيلم «ماء الفضة» قصة صداقة وشراكة نشأت بين مخرجي الفيلم أسامة محمد، الذى يعيش في باريس بسبب تلقيه تهديدات بالقتل في سوريا لمطالبته بحرية المعتقلين السوريين في ندوة بمهرجان كان عام 2011، والمخرجة الشابة بدرخان المقيمة في حمص وسط سوريا أثناء هذه الحرب. مقدما سيرة الثورة السورية من وجهة نظر جيل الشباب السينمائيين الجدد، من درعا جنوبي البلاد إلى منطقة دوما في ريف دمشق، وصولا إلى الساحل السوري في اللاذقية وبانياس، والفيلم يعني بالكردي «ماء الفضة» وصور من خلال المتظاهرين وهواتفهم المحمولة والكاميرات الصغيرة ليصوروا الاحتجاجات الأولى بداية من مظاهرات درعا السلمية في 2011 إلى الحصار اليومي في حمص، مركزا على جثث البشر في الشوارع. والجيش الإسلامى الحر يعتقل الثوار «وكأن الثورة تأكل أبناءها». ويركز الفيلم على مسيرة الشعب السوري، «مسيرة البقاء» التي دامت 42 عاما في مناشدة حافظ الأسد ثم بشار الأسد، بدأ في مسيرة معاكسة. «42 كيلو مترا هي المسافة الفاصلة بين درعا والقرى الأخرى مستعرضين أناشيد الجيش الحر، وأغانى الجيش النظامي.. ويعرض في مهرجان كان أيضا «تمبكتو» وهو الفيلم العربي الوحيد المشارك في السباق الرسمي للسعفة الذهبية، للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو. ويتناول الفيلم الحرب بين المتأسلمين المتطرفين في مالي وسكان تمبكتو. مستعرضا سيطرة إسلاميين متطرفين من جماعة «أنصار الدين» على شمال مالي في 2012 وتدميرهم الكثير من الأضرحة في مدينة تمبكتو التاريخية. وإضافة إلى تحطيم مواقع في المدينة الصحراوية المدرجة ضمن منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وبدأ الفيلم بصور لإسلاميين يطلقون النار على الأصنام. وقال سيساكو في المؤتمر الصحفي إن أسباب صنع الفيلم متعددة لكن منها حادثة مهمة دفعته إلى التفكير في هذا المشروع وهي اتهام رجل وامرأة بالزنا ورجمهما عام 2008 في قرية شمال مالي. وأكد المخرج أن «الدافع الأساسي لم يكن وقوع هذه الحادثة وإنما السكوت الذي أحاط بها» وأضاف: «وكأننا صرنا لا نبالي بالأحداث المرعبة». وكان الفيلم في البداية مشروعا وثائقيا لكن تحول إلى روائي بسبب الظروف خصوصا أن «تمبكتو كانت وقت التصوير لا تزال محتلة» بحسب ما صرحت المنتجة سيلفي بيالا خلال المؤتمر الصحفي. ويقدم سيساكو شخصيات متأسلمة متناقضة كما كان من الجهاديين فى مصر ومنها شخصية مغني راب في السابق أصبح متحدثا عن علم التوحيد. ومتأسلم آخر يدخن سرا ويحب سرا.. أما الأزمة الطاحنة التى عصفت بساحل العاج منذ أكثر من عشر سنوات يتناولها فيلم «الركض» للمخرج فيليب لاكوت.. ويؤكد فيليب لاكوت أن فيلمه Run مأخوذ عن عمل وثائقي بدأه منذ أكثر من 10 سنوات في كوت ديفوار. وذهب من أجله في 15 سبتمبر 2002 بكاميرا رقمية إلى مدينة يوبوجون، الموجودة في ضاحية أبيدجان حيث عاش، لكي يقدم لمحة شاملة عن جيل من أجيال البلد. وعندما نشبت حركة التمرد، بدأ فى التصوير بالحي الذي عاش فيه والغريب أن التصوير تم أثناء حظر التجوال. ويقول فيليب لاكوت: (ذات يوم ذهبتُ لاستجواب شاب قومي. سألتُه كيف التحق بالحركة وقال لي: أنا لدي ثلاث أرواح»). وتلك الجملة ظلت عالقة في ذهنه وهي التي جعلته يسرد قصة رجل شاب له ثلاث أرواح فى فيلمه «الركض».. وقضى «لاكوت» خمس سنوات على هذا الفيلم الوثائقي، Chroniques de guerre en Côte d'Ivoire، وسرعان ما أصبح فيلما مرتبطا ارتباطا وثيقا بحياته الشخصية .. ولأن فيلم Run تناول موضوعا سياسيا في بلد خارج من نزاع.. لذلك اتهم فيليب لاكوت بأنه منحاز لأحد الأطراف وفى أحد الايام وجد صورته في أول صفحة بالجريدة مع هذا العنوان: «هذا الرجل خطير».. وبعدها، كان من الصعب عليه العودة إلى شوارع أبيدجان مع أن شركة الإنتاج لم توقف التصوير. ومن الملاحظ أنه منذ اندلاع ثورات الربيع العربى ومهرجان كان يلعب دورا سياسيا بدا واضحا عندما أصر الفيلسوف الفرنسي وجاسوس الثورات العربية برنار هنري ليفي على عرض فيلمه الوثائقي «قسم طبرق» رغم أنه جاء الى المهرجان فى 2011 بعد ميعاد قبول الافلام !..والفيلم يستعرض كيف نجح مثقف يساري في إقناع رئيس فرنسي بدعم الثورة الليبية. بدون التعمق في الدوافع الحقيقية للجهات المتدخلة عسكريا خلال الثورة في ليبيا. وقدم برنار هنري ليفي عبر شريطه «قسم طبرق» الذي أخرجه بالاشتراك مع المخرج الفرنسي مارك روسيل مفهومه الخاص للحرية. وقال ليفي مرارا لعديد من الوسائل الإعلامية إن الفيلم جاء ليصور كيف يمكن تجسيد النظريات الفكرية على أرض الواقع لأول مرة في التاريخ عبر التدخل العسكري، ويؤكد عمالته بأنه طلب لسوريا تدخلا دوليا مماثلا لما حصل في ليبيا. ورأى ليفي فى فيلمه أن الحرب في ليبيا «لم تكن حربا استعمارية ولا من أجل النفط». ويظهر الفيلم لقاء ليفي في يونيو 2011 بنيامين نتنياهو في إسرائيل لكنه لا يذكر ليفي «الحادثة» الدبلوماسية التي تسبب فيها حيث أكد لنتنياهو أن المجلس الانتقالي الليبي سيقيم علاقات مع إسرائيل في حال سقط نظام القذافي. ولم يتوانى برنار هنري ليفي الذي يعرف نفسه باستمرار بأنه «صديق لإسرائيل» عن مقارنة مسيرة الليبيين وثورتهم على نظام معمر القذافي بمسيرة الصهيونية للسيطرة على فلسطين ويطابق بين المعركتين اللتين بنظره ولدتا «للدفاع عن الحرية». على الجانب الآخر نجد أن مهرجان كان السينمائي الدولي الذى يكيل فى السياسة بمكيالين يطرد المخرج الدنماركي لارس فون ترير فى 2012بعد تصريحات قال فيها مازحاً إنه يتعاطف مع الزعيم النازي أدولف هتلر ويرفض الدولة الإسرائيلية لأنها «مصدر إزعاج». وذكر المهرجان في بيان أنه يوفر «لفناني العالم كله منبراً استثنائياً لعرض أعمالهم وللدفاع عن حرية التعبير والإبداع».وأضاف أن مجلس إدارته عقد اجتماعاً استثنائياً وعبر فيه عن «أسفه لاستخدام لارس فون ترير لهذا المنبر للإدلاء بأقوال غير مقبولة ولا يمكن التساهل بشأنها وتتناقض مع المثل العليا للبشرية والسخاء السائد في أصل المهرجان نفسه».وأعرب البيان عن إدانة مجلس إدارة المهرجان «وبحزم» هذه الأقوال واعتبار لارس فون ترير «شخصاً غير مرغوب فيه» في المهرجان، على أن يسري القرار «بشكل فوري».وعلى نفس المنوال وفى مهرجان «كان» الخامس والستون منع مسئولو مهرجان «كان» السينمائي الدولي عرض الفيلم السينمائي «معادي السامية» للمخرج الفرنسي ديف دونة وإنتاج إيراني فرنسي مشترك، في سوق المهرجان. لأنه يكشف جوانب من أهداف ومخططات الصهاينة. ومن المعروف أن مهرجان «كان» احتفى بالسينما المصرية بعد ثورة 25 يناير احتفاء خاصا وعرض فيلمى 18 يوما و«صرخة نملة» وفى العام التالى عرض ليسرى نصرالله فيلم «بعد الموقعة».. وأعتقد أن تلك الافلام لم تكن ستحظى باهتمام مهرجان كان الا لأنها أفلام عن الثورات العربية. والطريف أن مهرجان فى الستينات شهد صراعا مصريا إسرائيليا عندما حضرت النجمة الهوليوودية سوزان هيوارد حفلا ودار حوار حول علاقات العرب والقضية الفلسطينية وإسرائيل.. وتطاولت الممثلة الهوليوودية سوزان هيوارد علي العرب.. فاندفعت تحية كاريوكا تجاه سوزان هيوارد وضربتها بالحذاء.. ويقال إنها بصقت في وجهها.. ولم تكن هيوارد تعرف أن تحية كاريوكا.. تجيد اللغتين الفرنسية والانجليزية.. وانطلقت بهما بالسباب علي سوزان هيوارد وهي تهرب مسحوبة من جلسة العشاء. وأخيرا سيظل الفن يلعب دورا هاما فى حياة الشعوب يفوق أحيانا السياسة والحروب..فهل نتبه لهذا!