عندما عملت محرراً برلمانياً فى بداية التسعينيات، وجدت نوابا من المعارضة والمستقلين دائمى الشكوى من قلة فترة دور الانعقاد السنوى العادى لمجلس الشعب والتى كانت محددة بسبعة أشهر تبدأ قبل الخميس الثانى من شهر نوفمبر بقرار جمهوري، وتنتهى بقرار جمهورى أيضاً. والسبب وراء شكوى النواب هو أن هذه المدة غير كافية لمناقشة مشروعات القوانين التى كانت تنزل عليهم كالسيل ومراقبة ومحاسبة الحكومة على أعمالها، وكان هؤلاء النواب يعتقدون أن النظام المتحكم هو الذى وضع هذه المواعيد لإرباك المجلس، وانقاذ الحكومة 5 أشهر فى العام من قبضة النواب، وكان لا يمكن زيادة فترة الانعقاد لأنها تحددت بنص دستورى ولا يمكن تعديلها إلا بعد تعديل الدستور، وكان الحديث عن طلب تعديل الدستور فى هذا الوقت كأنه رجس من عمل الشيطان أو من رابع المستحيلات. التقيت بعض هؤلاء النواب الذين يريدون زيادة مدة رقابة البرلمان على الحكومة، بعد أن كان الوقت يضيع فى الاجازة الأسبوعية عندما كان يتقاسم مجلس الشعب أيام الأسبوع مع مجلس الشورى بخلاف اجازات الأعياد والجمع، مما كان يساعد الحكومة على الهرب من المساءلة، واقترحت على نواب المعارضة والمستقلين استثمار العطلة البرلمانية السنوية فى عقد اجتماع أسبوعى على الأقل فى إحدى قاعات المجلس لمناقشة الأحداث المطروحة على الساحة من خلال جدول أعمال محدد، واستجاب عدد كبير من النواب للفكرة، وعقدوا اجتماعاتهم الأسبوعية فى حجرة واسعة بمبنى الرى المخصص اللجان، واستطاع هؤلاء النواب كشف المستور، وفضحوا الحكومة وتابعت الصحف نشاطهم، ونشرت تقارير مطولة، خاصة جريدة الوفد عن القضايا التى فجروها بعد أن كانت ستمر دون ضجة خلال الاجازة البرلمانية الصيفية الطويلة. اثار نشاط هؤلاء النواب غضب الحكومة وقيادات الحزب الوطني، وطالبوا رئيس مجلس الشعب بالتصرف لإغلاق مجلس الشعب الخاص الذى يديره نواب المعارضة والمستقلون لحسابهم، وكلف رئيس المجلس الأمن العام بالمهمة، كان نواب المعارضة والمستقلون الذين ضجوا مضاجع الحكومة من النواب «التقال» الذين يعمل لهم ألف حساب وفكر لهم الأمين العام فى حيلة، لحل برلمانهم دون اثارة غضبهم فأقنعهم بأن عملية ترميم ستتم للقاعة التى اختاروها لعقد اجتماعاتهم، وانهم سيعطيهم حجرة بشكل مؤقت لعقد اجتماعاتهم لحين اتمام عملية الصيانة للقاعة وفى الصباح كانت القاعة قد تم شدها بالخشب بحجة أعمال البياض، واكتشف النواب أن الحجرة البديلة تقع فى «ميزانين» سقفها ساقط، والنائب الطويل تخبط رأسه فى الحائط حتى وهو جالس على كرسي، ولم تصلح هذه الحجرة للاجتماعات واكتشف النواب انها محاولة لتطفيشهم، فأصروا على مواصلة اجتماعاتهم فى البهو الفرعوني، وتعرضوا لمضايقات من موظفى المجلس وعمال البوفيه طبعا بترتيب من ادارة المجلس . كان فؤاد سراج الدين زعيم الوفد على علم بالمناقشات التى تتم فى الصيف بمجلس الشعب، وكان معجبا بإصرار هؤلاء النواب على مواصلة دورهم فى انتقادات سياسات الحكومة وكشف سلبياتها وعندما نقلت اليه ما يلقونه من مضايقات، طلب منى دعوتهم لعقد اجتماعهم الأسبوعى فى مقر حزب الوفد. ولاعتبارات حزبية اعتذر معظم النواب عن عدم قبول الدعوة، ولم يصمدوا أمام المضايقات التى تعرضوا لها واتخذوا قرارا بإلغاء البرلمان الصيفى غير الرسمى الذى استغلوه فى كشف الفساد الذى كان يتم من تحت طرابيزة البرلمان استغلالا للاجازة الصيفية. الدستور الجديد قام بتعديل هذا الوضع وتمت زيادة مدة انعقاد البرلمان، إلى تسعة أشهر بدلا من سبعة، تبدأ يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر ويفض رئيس الجمهورية دور الانعقاد بعد موافقة المجلس، فقد يستطيع المجلس مد فترة الانعقاد لأكثر من ذلك، ومفيش مجلس شورى يقاسمه أيام الأسبوع.