جاءت أحداث الفتنة في أسوان منذ أيام لتدق ناقوس الخطر، فعلي مدار سنوات طويلة ساءت أحوال الصعيد في مصر، بعد أن اهملت الحكومات المتعاقبة أوضاعهم وعجزت عن تنمية تلك المحافظات النائية، فتركتها تعاني الفقر والإهمال، وانعدام الخدمات، ولم يكن الحديث عن التنمية سوي مجرد تصريحات تطلق مع وقوع كل كارثة، حتي استيقظنا مؤخراً علي فتنة أسوان التي وقعت بين الهلايل والدابودية، وراح ضحيتها أكثر من 27 شخصا، والغريب في الأمر أن الحكومة لم تهتم بخروج الآلاف من سكان الصعيد خلال ثورة 30 يونية، والذي كان يعد بمثابة مؤشر خطير ينذر بثورة الصعيد، فخروجهم كان تعبيراً عن رفضهم للواقع الأليم وتجاهل الدولة لأوضاعهم المعيشية، فالبطالة تتفاقم.. والخدمات تتلاشي.. والفقر يتزايد.. والدولة ما زالت تدرس خطط التنمية. أشار تقرير التنمية البشرية لعام 2013 الماضي، إلي أن معدل بطالة الشباب في المنطقة العربية بلغ أعلي مستوي له في مصر، حيث وصل إلي 54٫1٪، وحذر التقرير الصادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي من ان انتهاج سياسات تقشفية خاطئة، وانعدام المساواة وضعف المشاركة السياسية سيمثل ثلاثة عوامل من شأنها أن تعوق التقدم وتزيد الاضطرابات ما لم تسارع الحكومات العربية باتخاذ إجراءات عاجلة. وسبق أن كشف تقرير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي عن أن الفقر النسبي في مصر وصل إلي 43٪، وأشار التقرير إلي ان مصر تعد من أكبر الدول التي بها فوارق هائلة بين مختلف محافظاتها، سواء كان من حيث الدخل أو مؤشرات التنمية، التي تتركز في المحافظات الحضرية الكبري، بينما يعاني سكان الصعيد من حرمان كبير، مما يدل علي وجود خلل في التنمية الاقتصادية في مصر. تفاوت الفقر أشار تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، إلي أن معدلات الفقر، بلغت في مصر نحو 25٫2٪ عام 2012 الماضي، وكشف التقرير عن وجود تفاوت في نسبة الفقر بين أقاليم الجمهورية، حيث ارتفعت إلي 51٫4٪ في ريف الوجه القبلي مقابل 43٫7٪ عام 2009 الماضي، وزاد إلي 29٫5٪ في حضر الوجه القبلي مقابل 21٫7٪ في 2009 الماضي، وأشار إلي زيادة الفقر في ريف الوجه البحري إلي 17٪ بينما بلغ نحو 10٫3٪ في حضر الوجه البحري. منذ ما يقرب من ثماني سنوات تقريبا تبنت حكومة مبارك، مشروع تطوير القري الأكثر فقرا في مصر والتي بلغ عددها نحو 1100 قرية، ورغم ما تم بذله من جهود وقتها، إلا ان التطور والتنمية بالمحافظات الأكثر فقرا لم يأت بثماره، وجاءت محافظاتالمنياوقنا وسوهاج وأسيوط، والشرقية والبحيرة، في مقدمة المحافظات التي تعاني من انعدام البنية الأساسية بها، وبعد مرور 5 سنوات من تطبيق المشروع وصف البنك الدولي مشروع القري الأكثر فقرا، والذي كان يهدف لرفع المستوي الاقتصادي بالمحافظات بأنه ملائم، وأوضح في تقرير له بعنوان: «بين فقر المكان وازدهار الشعوب» أن محافظات الصعيد هي الأكثر معاناة من الفقر في مصر، ويقطن بها نحو 60٪ من الفقراء، وأشار لوجود اختلاف وتباين واضح بين كل منطقة وأخري داخل الصعيد من حيث القدرة علي الحصول علي الخدمات، والرعاية الصحية، نتيجة للإهمال الذي تتعرض له بعض القري، ونصح الحكومة بمشاركة المواطنين في عملية التخطيط وإدراج مخصصات مالية للمناطق الأكثر فقرا. إهمال الصعيد الدكتورة ابتهال رشاد مستشار التنمية البشرية وحقوق الإنسان، تري ان إهمال الصعيد لسنوات طويلة هو الذي ساعد علي زيادة العنف في تلك المناطق، كما ساهم ضرب الإرهاب في سيناء علي نقل الإرهاب للداخل، وتقول: لا شك أن القبلية والثأر من القضايا الموجودة في صعيد مصر، خاصة قناوأسوان وسوهاج والمنيا، ومن السهل استغلالها في ظل ما تعانيه البلاد الآن من أوضاع سيئة، لان الشباب الخريجين لا يجدون عملاً، ولديهم حالة من الفراغ مما يسهل الأمر للعناصر الإرهابية لاستغلال تلك الأوضاع بتجنيد الشباب، كما يستغلون حالة الفقر الشديدة في تلك المناطق للوصول بسهولة إليهم، ومن هنا بدأ يظهر الإرهاب في الآونة الأخيرة، وانتشر في قري الصعيد لانها مناطق محرومة من التنمية، لبعدها عن المركز حيث تجد الحكومة ان تنمية تلك المناطق يكلفها أموالا طائلة، ومن ناحية أخري نجد أن الوزارات المعنية لا تقوم بأداء دورها بجدية، رغم أن هذه مسئوليتها، لذا فانه لابد من الانتباه لضرورة تنمية تلك المناطق المهملة، وان يتم عمل برامج شبابية لاستيعابهم أو برامج تطوعية لتدريبهم وإخراج طاقتهم في نشاط مفيد، كزراعة الأراضي، أو عمل مشاريع صغيرة، تحفز الشباب وتساعدهم علي الاعتماد علي أنفسهم، فمن الضروري خلال تلك المرحلة ان يتم إعداد كوادر شبابية ناجحة في جميع المجالات وهذا مع الأسف غير متوافر لدينا لغياب، وزارة الشباب والرياضة. فالتنسيق مطلوب من أجل حمايتهم وتوجيههم كلٍ حسب مهاراته. أحمد بهاء شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، يقول: ما يحدث الآن، هو جرس إنذار يشير إلي ان الوضع في الصعيد بما عاناه في فقر وإهمال، وتهميش، لم يعد قادراً علي الانتظار، فالأوضاع علي وشك الانفجار، إذا لم توضع لها حلول سريعة وعملية، يمكن من خلالها تجاوز الوضع الاقتصادي، والاجتماعي في الصعيد، الذي أصبح بيته حاضناً للإرهاب والعنف والجريمة والسلاح، كما أن ما حدث بالصعيد يؤكد أن مصر عاشت في غيبوبة ممتدة لعقود خلال السنوات الطويلة الماضية، حتي استيقظنا علي الحروب الأهلية، فالحكومات المتعاقبة كانت تنظر لتلك المناطق علي أنها مناطق نائية وزوائد بشرية لا قيمة لها، وتركتها تصارع الإهمال والمرضي، وهذا ما استغلته الجماعات الإرهابية التي وجدت صعيد مصر بيئة ملائمة لممارسة تطرفها، وحان الوقت لتوجيه عناية الدولة لهذه المناطق المحرومة، لانها أصبحت بمثابة قنابل شديدة الانفجار، توشك علي الانفجار في أي وقت إذا لم يتم الانتباه إليها، وتحسين مستوي الخدمات بها.