أوقعت وزارة المالية نفسها فى مأزق شديد بشأن تطبيق الضريبة الإضافية الجديدة المقترح فرضها على أصحاب الدخول المرتفعة، حيث أعلن هاني قدري وزير المالية عن تلك الضريبة فور توليه حقيبة الوزارة مباشرة وذلك دون ان تقوم الوزارة ومصلحة الضرائب بتحديد فلسفة تطبيق هذه الضريبة أو المستهدف منها، وأدى ذلك إلى حدوث حالة ارتباك بين فكر وزير المالية، الذى حدده بشكل قاطع بأن تلك الضريبة الجديدة سيتم فرضها على الأفراد فقط دون الشركات ممن يزيد دخلهم السنوى علي مليون جنيه، فى حين يوجه رئيس المصلحة الدكتور مصطفى عبد القادر دراساته حول الفئات المستهدفة من الضريبة ليضم الشركات إلى دائرة الخاضعين للضريبة، وأصبحت تلك الضريبة الجديدة حائرة ما بين «قدري» و«عبد القادر» حول كيفية تطبيقها والمخاطبين بها وكذلك الحصيلة المستهدفة منها وتوقيت فرضها.. مما يدعم الشبهات التى تحوم حول ما تسمى ب«ضريبة الأغنياء» وانها قد تكون تحولاً جديداً نحو فكر الجباية للخروج من مأزق ضعف الموارد الحكومية وإنقاذ عجز الموازنة. كشف وزير المالية وقت الإعلان عن هذه الضريبة الإضافية الجديدة فى بداية عمل حكومة المهندس ابراهيم محلب أنها تأتي كمبادرة مقدمة من بعض رجال الأعمال لفرض ضريبة بنسبة 5% على من يزيد دخله السنوي علي مليون جنيه أو 1.5 مليون جنيه، بحيث يتم تطبيقها بصورة مؤقتة لمدة عامين أو 3 أعوام، ثم يتم إلغاؤها بعد ذلك، وحدد الهدف منها باعتبارها نوع من المساهمة فى تجاوز الأزمة الحالية، تنتهى مع إعادة المناخ الاقتصادي ودوران عجلة الإنتاج مرة أخرى، موضحا انه فكر عالمي تقوم به الدول فى حال المرور بأزمات مالية. وأعلن الوزير صراحة أن الضريبة الجديدة سيتم فرضها على الأفراد وليس الشركات، وشدد الوزير على ذلك لمنع حدوث لغط كبير بين منظمات الأعمال والمستثمرين والابتعاد عن شبهات الجباية، حيث شدد الوزير على ان الفكر الضريبي لن يعتمد على الجباية، إلى جانب دراسة سبل توسيع قاعدة المجتمع الضريبي بما يحقق العدالة الضريبية، خاصة ان نسب مساهمة الضرائب فى الناتج المحلى فى اتجاه نزولي خلال السنوات الماضية وهو ما يوضح ان مصر تحقق زيادة فى الإيرادات سنويا مع ضعف فى التحصيل. وأشار وزير المالية إلى ان تطبيق هذه الضريبة سيتم من خلال تعديل تشريعي لقانون الضرائب على الدخل، إلا أن وزارة المالية لم تنته من إجراء هذا التعديل حتى الآن لتقديمه إلى مجلس الوزراء لعرضه للمناقشة وإصدار قرار جمهوري بتطبيقه. فى المقابل فاجأنا رئيس مصلحة الضرائب بتفسير مغاير لأفكار وزير المالية بشأن المستهدفين من هذه الضريبة، واكد «عبد القادر» أنه سيتم فرض ضريبة ال5% الإضافية على الشركات والأفراد على حد سواء، وأوضح أنه سيتم احتساب الضريبة الجديدة على الدخل دون اعتبارها جزءاً من سعر الضريبة المحدد حالياً، فالأصل فيها انها لا تعد من التكاليف، حيث يبلغ سعر الضريبة الحالي على الأشخاص الطبيعيين 25% لمن يتراوح دخله ما بين 250 الف جنيه إلى مليون جنيه، فى حين سيتم تطبيق ضريبة ال5% الإضافية لمن يزيد دخله علي المليون جنيه، لتصل شريحته الضريبية إلى 30%. مشيرا إلى ان فرض هذه الضريبة سيتم بشكل مؤقت لمدة 3 سنوات فقط، نظرا لحاجة الحكومة إلى أى تمويل فى الوقت الحالي. وكشف رئيس المصلحة انه لن يتم الاشتراط ان يكون سداد تلك الضريبة نقدياً كباقى أنواع الضرائب المستحقة، وإنما يجوز ان يتم سدادها عينياً من خلال إقامة مشروعات خدمية، أو فى أى مجال تحتاجه الدولة، على أن يؤول هذا المشروع للدولة بعد ذلك، وسيتم تحديد الإجراءات الخاصة بذلك من خلال التعديل التشريعي المنتظر، وبالتالى تأخذ هذه الضريبة طابع «التبرع» أكثر من طابع الضريبة الأصلية، فهى ضريبة ستؤدى إلى الحصول على أموال لن تدخل الموازنة العامة ويعاد إنفاقها. وحول توقيت فرض تلك الضريبة الإضافية والحصيلة المستهدفة منها، كشف رئيس المصلحة أنه من المنتظر تطبيقها مع بداية العام المالى المقبل، وذلك فى حال ما إذا تم إجراء التعديل التشريعي الخاص بالضريبة والموافقة المجتمعية عليها، حيث تدور التوقعات المبدئية لحصيلة تلك الضريبة ما بين 3 إلى 3.5 مليارات جنيه . ويسود بين المجتمع الضريبي حالياً اعتراض على فكر وزارة المالية الجديد بشأن زيادة نسبة الضريبة بواقع 5% على أصحاب الدخول المرتفعة التى تتجاوز مليون جنيه، وكشف خبراء الضرائب أن هذا الاتجاه لا يحقق أهدافه على صعيد العدالة الاجتماعية التى لا يجب تحقيقها بصورة مؤقتة واستثنائية لفترة معينة، كما تتعارض زيادة الضرائب مع العدالة الضريبية التى تتطلب ثبات سعر الضريبية لإحداث تغيير فى قيمة الحصيلة، وأكد الخبراء ان الحكومة تلجأ فى هذا التوقيت الحرج إلى أقصر الطرق لزيادة حصيلة الضرائب، مما يتسبب فى تحقيق نتائج عكسية على الحصيلة ذاتها وعلى المنظومة الضريبية ككل، وقد يمتد تأثيرها السلبى على المناخ الاستثماري بالكامل . ومن جانبه طالب المحاسب القانوني أشرف عبدالغنى رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية بضرورة إعادة النظر فى دراسة هذا المقترح من جانب وزارة المالية ومصلحة الضرائب قبل عرضه للمناقشة على مجلس الوزراء، مشيراً إلى ان القرار يحتاج تحديد الوعاء الخاضع للضريبة، وهل سيتم فرضها على الموظفين أصحاب الدخول المرتفعة ضمن ضريبة المرتبات، أم ستفرض على الأشخاص الطبيعيين كأصحاب المهن الحرة؟ وكذلك تحديد المستهدفين من الضريبة الجديدة، هل هم المصريون المقيمون في مصر أم تشمل العاملين بالخارج، وهل تشمل المصريين المقيمون في مصر فقط أم الأجانب العاملين أيضا. وأكد «عبدالغني» ان الضريبة الجديدة تعتبر عودة لفكرة الضريبة على الثروة، ورغم إدراكنا لحاجة الحكومة إلى موارد مالية جديدة لسد العجز في الموازنة العامة، إلا ان الطريق الأسهل بفرض ضريبة جديدة قد يسبب نتائج عكسية، مشيرا إلى ان الفكر الأفضل يجب ان يعتمد على فرض سعر ضريبة عادل وموحد، وعدم فرض ضرائب استثنائية قد تخلق فرصا لتجنب الضريبة. وأوضح رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية ان القول بأن الهدف من هذه الضريبة تحقيق العدالة الضريبية أمر مردود عليه، لأن العدالة تتحقق في سعر الضريبة الثابت في النسبة والمتغير في القيمة، مشيرا إلى انه اذا كانت الضريبة بنسبة 25% فإن الشخص الذي يكسب 100 الف جنيه سيدفع 25 ألف جنيه، والشخص الذي يكسب مليون جنيه سيدفع 250 الف جنيه وهكذا. أما الحديث عن تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال زيادة الضريبة للفئات الأكثر دخلاً فإنه فكر غير منطقي، لأن فكرة العدالة الاجتماعية يجب ان تكون دائمة وليست مؤقتة او استثنائية يتم الغاؤها بعد سنتين أو 3 سنوات .