وسط ركام الفوضى والعنف والإرهاب الذى تفرضه القوى الظلامية علينا كل يوم لتسلب منا حب الحياة والوطن وتحاول نشره على أنه الواقع المعاش وليس لنا طريق للخلاص تهب علينا نسمة من نسائم المعرفة والحرية من مدينة «الثغر» الإسكندرية كما كان يحلو للفنان العبقرى «نجيب الريحانى» أن يطلق عليها بمكتبة الإسكندرية ومعرضها العاشر للكتاب تأكيداً منها على أن فى وسط الظلام هناك شمعة للمعرفة تضاء وأن فى قمة الغلو والتطرف هناك إصرار وأمل على التمسك بتراب هذا الوطن ومحبته وأن حب الله فى الدرس والكتابة بما ينفع الناس ويهذب من أرواحهم وليس فى تكفيرهم للآخرين وإرهابهم. حيث شهدت مكتبة الإسكندرية افتتاح معرضها الدولى العاشر للكتاب، والذى سيستمر فى الفترة من 27 مارس حتى 8 إبريل 2014، بمشاركة العديد من الدول ودور النشر المصرية والعربية والأجنبية، وسط إقبال جماهيرى كبير على المعرض. وألتقى جمهور الإسكندرية فى يوم الافتتاح أولى الندوات الثقافية المصاحبة للمعرض مع المخرج محمد خان وأبطال فيلم «فتاة المصنع» خلال ندوة حول «صورة المرأة فى السينما المصرية». وقال الدكتور خالد عزب؛ رئيس قطاع المشروعات والمشرف العام على المعرض: إن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) هى ضيف شرف معرض مكتبة الإسكندرية الدولى للكتاب، وذلك فى إطار التعاون بين المنظمة برئاسة الدكتور عبدالله حمد محارب، ومكتبة الإسكندرية كما انه سيتم عقد شراكة دولية بين المكتبة والمنظمة لتنفيذ مشروع « ذاكرة الوطن العربي» أيضاً تم ادراج معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب ونتيجة لاقامته بصورة منتظمة فى جدول مواعيد المعارض الدولية وهو نصر جديد يضاف لمكتبة الإسكندرية ومعرضها كذلك قامت شركة «منصور للسيارات» وهى مؤسسة تجارية فى تقليد جديد بدعم جمهور المعرض بتقديم مجموعات من الكتب مجاناً لرواد المعرض لتشجيعهم على القراءة، فضلاً عن إقامة يوم كامل للأفلام السينمائية التى أخرجها مخرجون سكندريون وأخيراً سيتم مختبر للسرديات للرواية المغربية يستضيف نحو أكثر من عشرة روائيين مغاربة ليحكوا عن عالمهم الإبداعى فى مقابلة مع العالم الروائى المصرى والعربي. وقد قام الدكتور فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية التابع للمنظمة، بحضور افتتاح المعرض وإلقاء كلمة بالنيابة عن الدكتور عبدالله محارب مدير عام المنظمة أشار فيها إلى أهمية العلاقات الثقافية التى تربط المنظمة ومكتبة الإسكندرية والتى يتمنى تتعمق فى السنوات القادمة، مؤكداً أن للأسف صناعة الكتاب فى العالم العربى ضعيفة على الرغم من أن الكتاب هو فى النهاية ثمرة للحضارة والتقدم لذلك علينا أن نطور من مفهومنا للكتاب ليس على اعتبار أنه أداة للترفيه بقدر ما هو وسيلة للتقدم والمعرفة. الجدير بالذكر أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) هى منظمة متخصصة، مقرها تونس، تعنى أساسا بتطوير الأنشطة المتعلقة بمجالات التربية والثقافة والعلوم على مستوى الوطن العربى وتنسيقها، وقد أنشئت عام 1970، وتستند المنظمة فى عملها على قيم التسامح، الاعتدال، احترام الآخر والتنوع الثقافي، كما تعمل على رفع مستوى الموارد البشرية فى البلاد العربية والنهوض بأسباب التطوير التربوى والثقافى والعلمى والبيئى والاتصالى فيها، وتنمية اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية داخل الوطن العربى وخارجه، ومد جسور الحوار والتعاون بين هذه الثقافة والثقافات الأخرى فى العالم. قدم الدكتور «خالد عزب» فى افتتاح المعرض أربعة وجوه شابة من الباحثين استطاعوا أن يقدموا مع فريق بحثهم آلاف الصور النادرة فى محاولة دؤوبة وجادة لتوثيق أربعة موضوعات هامة لذاكرة الوطن أولى هذه الموضوعات قدمها الباحث «أيمن السيد» نائب مدير القبة السماوية بمكتبة الإسكندرية والمسئول عن نادى العلوم التى تشرف عليه القبة وتصدر عنها مجلة ربع سنوية تهتم بنوادى العلوم للشباب والأطفال وقد قال لي: إن هذا الكتاب الذى صدر مؤخراً عن القبة السماوية يوثق لتجارى عشر دول ونوادى العلوم بها فكان معا تجارب من تايلاند وأمريكا والهند ومصر والهدف من نادى العلوم بالقبة السماوية هى تدريب الأطفال على التفكير العلمى والمنهجى ايضاً نقوم بعمل التجارب بشكل عملى حتى يراها الأطفال رؤى العين وقد أنشأنا بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم 300 ناد للعلوم فى 300 مدرسة بالإسكندرية، ونتمنى أن تعم التجربة على جميع مدارس مصر لأن أطفالنا يمتلكون مواهب مبدعة تحتاج الاهتمام والرعاية لكى تظهر. أما الباحث الثانى فكان «محمد حسن» والذى يعد لمناقشة رسالته لنيل الدكتوراة فى الخط فى الفترة المملوكية فى مصر وتطوره، حيث عرض عدد من الصور النادرة لشيخ الخطاطين المصرى «سيد إبراهيم» ولوحاته التى لم تعرض ابداً وموجودة ملك أسرته وكيف استطاع هذا الفنان الكبير أن يقدم مدرسة مصرية خالصة لفن الخط العربى وعلاقاته بالمستشرقين والفنانين الأجانب الذين التقى بهم وتأثروا بمدرسته الخطية، وفى النهاية طالب الباحث «محمد حسن» بإنشاء متحف للخطوط حتى لا تتعرض روائع فن الخط العربى والتى خطتها أجيال من الخطاطين المصريين المبدعين للاندثار والضياع. على الرغم من كثرة ما كتب عن الجامع الأزهر الشريف إلا أن الباحث «محمد السيد» يقول: إن هذا البحث الذى استغرق سنوات وقام بإعداده مجموعة من شباب الباحثين والمصورين مختلف عما قدم عن هذا الجامع العتيق والذى يعد بحق ديوان الحياة السياسية والمعمارية والاجتماعية فى مصر فلولا الجامع الأزهر ما استطاعت مصر أن تحافظ على وسطية إسلامها ونقائه وكلما كان الأزهر الشريف قوياً بعلمائه كانت مصر قوية بإسلامها والعكس صحيح وهذا ما تؤكده هذه الدراسة التى قمنا بها ووثقت بعشرات الصور تطور الجامع الأزهر وطرزه وعمارته على مر العصور ومنذ أنشأه القائد «جوهر الصقلى» للقائد المعز لدين الله الفاطمى ليقيم فيه الصلاة منذ ألف وخمسون عاماً مضت. وأخيراً تأتى دراسة الباحث المتميز «حسام عبدالباسط» عن معشوقته مدينة الإسكندرية والتى يورخ لها بآلاف الصور النادرة لشوارعها ومبانيها فى الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين كمدينة كوزموبوليتانية بامتياز ضمت أطياف من اليونانيين والإيطاليين والفرنساويين والمغاربة والأتراك والأمريكيين والألمان وغيرهم فى محاولة للحفاظ على ذاكرة هذه المدينة الجميلة والتى يرى أن على الدولة فى هذه المرحلة أن تنقذ ما تبقى للإسكندرية من تراث معمارى يتم هدمه فى مؤامرة شبة منظمة بدافع الجشع والربح السريع لا يوجد مثيل له فى العالم، حيث الفيلات والمبانى الأثرية التى كانت مملوكة للأجانب المقيمين بالمدينة ويتم هدمها الآن. هذه البحوث الأربعة التى قدم لها بحب الدكتور «خالد عزب» تؤكد كما قلت فى المقدمة أن الأمل كبير، وهناك جيش من عشاق مصر يعمل فى صمت أو كما قال لى الباحث «محمد حسن» نحن نعمل لوجه الله ولمصر فتحية لهؤلاء الذين يعشقون تراب المحروسة بلا ضجيج ودعاية ولكن فى تبتل وصمت ليحفظوا لهذا الوطن تاريخه الذى علينا أن نفخر به ونجده هو حائط الصد لكل محاولات التغريب وفقد الهوية المصرية. مكتبة الإسكندرية فى معرضها الدولى العاشر للكتاب تقدم مجموعة كبيرة من الندوات واللقاءات منها: «العلاقات الثقافية المصرية الليتوانية.. تجارب ناجحة» «النوبة قلب مصر»، «المرأة والإبداع»، «سينما الثورة»، «ذاكرة الوطن.. أمجاد مصرية فى الدفاع الجوى والبحرية»، «الحب الإلكتروني»، «السينما البديلة.. تجارب سكندرية». من الندوات التى أقيمت على هامش المعرض لقاء ثقافى أدبى بعنوان «ثورة الأدب وأدب الثورة»، تحدث فيه كوكبة من أصحاب الأفكار والرؤى والإبداعات وهم: محمود الورواري، مكاوى سعيد، أشرف عشماوي، سعد القرش ود. عبدالبارى خطاب، وأدارها د. أحمد المصري. استهل الوروارى كلماته موضحا أننا أمام ثورتين ثورة للعقول وأخرى للنفوس أوجدهم الأدب، فضلا عن الثورة السياسية والتى هى فى الأصل نتاج ثورة الأدب، وأشار إلى أدب الثورة والذى هو ذلك الأدب الذى يكتبه أولئك الذين لم يعيشوا الثورة فمن قول طه حسين «إن أدب الثورة هو ذلك الأدب الذى يكتب بعد تشكيل الوعي». أشار أيضا إلى ثلاثة معان مختلفة أولها هو أدب ما قبل الثورة هو شعلة الثورات ويكون سبباً فى قيام الثورات، وثانيها هو أدب الأثناء وهو الذى يكتب أثناء الثورة وفيه يترك النص مفتوح وتكون كتاباته متأرجحه بين نظام مهدوم وآخر لم يتشكل بعد ويكون ذلك الأدب مجرد تسجيل للأحداث فى ذاكرة الزمن ليس إلا، وثالثها وهو أدب الثورة «ما بعد» وهو الأدب الذى يتخمر ويكتب بعد جيل من الثورة مستندا على ما تم تسجيله من حقائق. تحدث بعد ذلك سعد القرش موضحا أن مصر فى حالة ثورة ولم تجتز الثورة بعد وأن أدب الثورة يشبه أدب الحرب لا يستطيع أن يكتبه إلا من شارك فيه، والتمس من الثورة 18 يوم ما بين 28 يناير وحتى 11 فبراير حيث وجد بهم أسمى معانى التماسك والانضباط فى الشعب فبالرغم من عدم وجود شرطة إلا أن الشعب قد ضبط نفسه بنفسه، اهتم أيضا القرش فى كتاباته بالتفاصيل التى لم ترد فى الفضائيات فالثورة عند تتسع لتتحقق فى مجالات كثيرة وهذه التفاصيل الخاصة أكسبت كتاباته عمقًا خاصًا. ثم تحدث القاضى والمستشار والروائى أشرف عشماوى وهو صاحب أعمال بالغه التميز مثل «زمن الضياع - البار مان تويا» والذى تجاوز عدد المقالات التى كتبت عنه ال 200 مقال كما أن له كتاب عن الآثار وسرقتها فهو مفكر له قدره ورؤية. أشار عشماوى إلى أنه لا يجوز الكتابة عن الثورات فى ذروتها، فالأفضل أن تكون اللغة هى لغة التقارير والمقالات، كما أنه ضد أدب الأسماء بمعنى إدخال أسماء حقيقية وعملها كرواية، مستنداً إلى نوع آخر وهو التوين أو الرسم لتسجيل الحقائق ليس إلا. كما نوه عن ضرورة التفرقة بين الأنفعال بالحدث وفرحة الحدث، فالمغالطة بينهم قد تؤدى إلى كوارث أدبية. كما تحدث عشماوى عن عدد الكتب التى صدرت عن الثورة منذ قيامها، مشيرًا إلى أن عددها حتى اليوم 66 كتاباً وأن هذا ليس لصالح الكتاب أو القراء، فضلا عن النقل والسرقة الأدبية مختصرا فى أن الكتب الأدبية عن الثورة فشلت. وأضاف مكاوى سعيد أنه لا يوجد أدب ثورة ولا أديب ثائر، فالأديب يتناول مراحل ويتحدث عنها والثورة المصرية ما زالت قائمة ولا يمكن الكتابة عنها إلا بعد فترة طويلة, فحين خطر له أن يكتب عن الثورة اتخذ كراساً وأسماها كراسة التحرير كان يجول بها فى مختلف الأماكن ويسجل بها كل ما يمر عليه من لحظات خلف الأضواء وحصل فيها على بعض القصص لأشخاص واقعيين منهم من لقى مصرعه وأهدى الكراسة ختاما إلى أرواحهم, وحين وجد أن هذه الحقائق يمكن طمسها فضل أن يخرج كراسته للنور ويطبعها كما كتب بها عن سلوك الحيوان والنبات والجماد والأصوات والأضواء والإشارات. أيضا أوضح رؤيته عن الكتب التى صدرت فى حق الثورة، مشيرا إلى أنها تعبر عن وجهات نظر مختلفة حتى يأتى من يجمع كل تلك الأفكار ويعقلها ويكتب عن الثورة بتكامل، فالثورة لا تزال مستمره والأدب الحقيقى ينبع من معاناة، وأن ما ينبغى الكتابة عنه حقا هو ما كان قبل الثورة أى فتيلة إشعالها. واختتم الحوار د. عبدالبارى خطاب والذى اختلف مع سابقيه فى أن الكتابة فى هذا الوقت ليست بخطأ ولكن للقارئ فى ذلك الحكم وهو يستحق دائما أن نقدم له ما يليق.