أعرف الدكتورة نائلة عمارة من سنوات ليس مهما عددها – المهم أنها تركت بصماتها على وجهي خطوطا بالطول والعرض وضلت طريقها إلى وجه الإعلامية وأستاذة الجامعة الدكتورة نائلة لتحتفظ بحيوية وشباب ونوع من الرشاقة النفسية التي تؤكد تصالحها مع نفسها ومع زمنها والأهم مع الناس.. لفتت نائلة عمارة الأنظار إليها ضيفة على الكثير من الفضائيات مدافعة بقوة وشراسة عن مؤسسات الدولة المصرية خاصة الجيش والشرطة في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ثم انتقلت الدكتورة نائلة من مقاعد الضيوف لتواجه الكاميرا مذيعة ومحاورة مع الإعلامي معتز الدمرداش على شاشة الحياة واستقر بها المطاف الآن زعيمة وأميرة لحزب الكنبة ومتحدثة باسمه على شاشة «القاهرة والناس»، وقد يعتقد البعض أن من يقدم برنامج كهذا ربما لم يعرف يوما الطريق لميدان التحرير ولكن الحقيقة أن نائلة عمارة كانت حاضرة مع الموجات الأولى لما حدث ابتداء من 25 يناير 2011 وتحمست للتغيير وبعد 11 فبراير وتخلي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة كانت من أوائل من توجسوا ريبة في كثير من الأحداث والأشخاص والأدوار، وكنت اختلف معها كثيرا متهما إياها أنها من دعاة نظرية المؤامرة وبعد ذلك أدركت أنها بنوع من الحدس الإعلامي والسياسي ربما قرأت مبكرا ما استبعدته أنا من عقلي وخاطري السياسي. المهم أنني أكتب عن الإعلامية والصديقة نائلة عمارة لأنها حالة إعلامية متسقة مع فكرها إلى حد كبير وتعمل حتى الآن بروح الهاوي الذي يحب ما يعمل ويتحدث بما يعتقد ويدافع بقوة عن مبادئ سبقت حرفته.. ومن المهم جدا أن أسجل هنا أن آفة كثير جدا ممن امتهنوا مهنة تقديم البرامج أنهم يفصلون تماما بين ما يؤمنون به وما يقدمونه على الشاشة –وبمعنى آخر هم مخلصون لأنفسهم وللمنافع الشخصية التي تعود عليهم من وراء هذا العمل– وهناك فصيل آخر لا تعنيه المبادئ على الإطلاق وهو جاهز لارتداء أي قميص.. إخواني ممكن.. ليبرالي ممكن.. ثورى ممكن.. المهم أن يظل قادرا على الرقص ومقبولا ممن يدفعون أجر الراقص وهؤلاء يؤمنون بأن «من يدفع أجر الزمار يتحكم في اختيار النغمة» وهم على استعداد تام لضبط مؤشر الأخلاق على الموجة التي يطلبها من يدفع. هذا المناخ السيئ والفاسد والمفسد فتح أبواباً ما كان لها أن تفتح أمام أناس من المفترض أنهم أبعد ما يكونون عن مهنة المذيع أو المحاور التليفزيوني، ومن يدرس هذه الظاهرة قد يلمس بسهولة أن هناك حالة تدجين واستئناس لأصوات وحناجر كثيرة من قبل أصحاب وسائل الإعلام الذين يراهنون اليوم على أن القافلة ستسير في الطريق الذي يؤمن لهم تجارتهم وأن زواج المال والإعلام اليوم هو الخطوة الضرورية لإعادة كتابة عقد زواج جديد بين رأس المال والسلطة في مصر.. أعود إلى الصديقة الإعلامية وأستاذة الجامعة نائلة عمارة لأقول إنها اختارت أن تقدم برنامجا يحمل الكثير مما تؤمن به وتحاول أن تواجه به من يهددون الدولة المصرية من خلال كلمة بسيطة وهادئة وغير منفعلة، وهذا ما جعلها تصل بما تقدم إلى قلوب الكثير من المشاهدين دون تزيد أو مبالغة.. كل التقدير لنائلة عمارة التي أدعوها لمزيد من البساطة والعمق، أما حضورها على الشاشة فأعتقد أن الله منحها طلة مشرقة ومبهجة تجعلها في غنى عن الوقوف كثيرا أمام المرآة.