نعترف بأن الأمة تطلب المستحيل من الرئيس القادم.. وهذا ما يجعل مهمته غاية في المستحيل.. قد يصعب عليه تحملها.. خصوصا إذا ترك الشعب الرئيس الذي اختاره.. وعاد مسرعاً إلي «الكنبة» يتفرج، أو ينتظر أن يأتي هذا الرئيس للشعب بما يحلم به.. وحده!!. وكأن الشعب هنا يردد أغنية عبدالمطلب «هاتوا لي حبيبي». دون أن يبذل المحب جهداً يذكر لكي ينتزع حبيبته من أيدي الطامعين.. وأسلوب «هاتوا لي حبيبي» لا يصلح في بناء الشعب والدول، بل لابد من أن يتقدم الشعب كل الصفوف.. ويكون معه في الصف الرئيسي المنتخب نفسه، لأن الرئيس أي رئيس، لا يملك عصا سحرية تنفذ كل ما يحلم به الشعب.. ولابد هنا من أغلبية عالية يحصل عليها الرئيس لكي يفوضه الشعب في العمل.. وإذا كان المثل المصري القديم يتحدث عن أن اليد الواحدة لا تصفق.. أو أن «القفة أم ايدين.. يشيلها اتنين» فإن الرئيس الفرنسي الرائع «الجنرال شارل ديجول» رفض الأغلبية الهزيلة التي حصل عليها في الاستفتاء الذي نظمه ديجول ليحصل علي تفويض بالإصلاح.. فإنه فضل ترك الحكم علي أن يحكم بنظرية أغلبية الخمسين بالمائة زائد واحد.. كان الرجل يطلب تفويضاً ضخماً لينطلق في اصلاح ما أفسده الترهل السياسي الذي عانت منه فرنسا وقتها.. وفضل أن يودع قصر الاليزيه عقب هذا الاستفتاء الذي كان يريد به ديجول عام 1969 تعديل الدستور.. وفضل الاستقالة وعاد إلي قريته كولمبي ليدو إجليز ليكتب مذكراته ويموت بعد شهور قليلة في نوفمبر 1970.. ولقد منح الشعب المصري الفريق المشير الآن عبدالفتاح السيسي تفويضاً لم يحصل عليه أي زعيم وذلك يوم 30 يونية 2013.. وما يجري الآن من حشد جماهيري للمشير السيسي، يؤكد استمرارية هذا التفويض الشعبي الكاسح.. فماذا ينتظر المشير؟! حقيقة بدأ السباق نحو كرسي الرئاسة بالفعل، وهاهو حمدين صباحي يتقدم الي الصفوف الأولي مرشحاً.. وربما ينزل د. عبدالمنعم أبوالفتوح خلال ساعات.. ومن المنتظر أن ينضم اليهما الفريق سامي عنان وربما اللواء مراد موافي.. وكل ذلك سلوك ديمقراطي سليم يثري العمل السياسي. ولكن من الظلم أن نكتفي بالجلوس علي «الكنبة» ونترك المهمة كلها بعد ذلك لمن تختاره الأغلبية رئيساً.. إن وطناً تم تدمير الكثير من بنيته الأساسية.. مع تحطيم نظام التعليم فيه وبعد أن كان التعليم الخاص في جيلي عاراً لمن يذهب اليه، وكنا نري أن الطالب الفاشل وحده هو من يتجه إلي التعليم الخاص، لأن التعليم العام كان هو الأفضل محلياً واقليمياً وعالمياً، ولكن ذلك كله تم تحطيمه.. ولن تقف مصر علي أقدامها مرة أخري الا بثورة تعليمية حقيقية. فلا نهضة ولا تقدم بدون تعليم حقيقي.. نفتقده الآن. ووطناً يعيش فيه حوالي نصف سكانه تحت خط الفقر.. لا يجد العلاج إلا بما يعجز عن تكاليفه.. ويعيش ربعهم الآن في العشوائيات التي تهدد بالانفجار عند أول إشارة.. مع عجز في الطاقة وسوء في رغيف الحياة.. بل مع تحطم أساسيات الدولة.. كل هذا يحتاج الي رئيس قوي. قادر علي تحمل المسئولية.. ولكنه لن يقدر علي ذلك وحده.. بل لابد من أيدي كل الشعب.. فالرئيس مهما كانت براعته لن يفعل هذا المستحيل وحده.. أما مقدمة هذه المشاكل وأراها هي أزمة المياه، فهي تحتاج إلي وقفة شعبية تدعم هذا الرئيس، حتي ان كان هو قائداً للقوات المسلحة. حقاً.. أري أن الرئيس السوبرمان مهما كانت كفاءته لن يستطيع العمل وحده.. بل لابد من أن يقف بجواره وخلفه كل الشعب وأن يصارح هذا الرئيس شعبه بالصعاب التي تواجهه.. وكذلك بما يطلبه الرئيس من الشعب.. فلا يدغدغ حواسه.. بل يطلب دعمه.. وأن ننزل جميعاً يدنا قبل يد الرئيس وعقولنا مع عقله.. ودمنا قبل دمه.. أما العرق فهو المطلب الأول الذي نطالب به الشعب.. لقد انتهي زمن الرئيس الاسطورة.. وأيضاً الرئيس السوبرمان، ولكن الشعب نفسه هو الأسطورة.. وهو السوبر مان. وأنا واثق أن شعب مصر قادر علي أن يفعل المستحيل.. وسوف يفعل.. بشرط ألا يلقي كل شيء.. علي ظهر الرئيس القادم.