وفي الأديان السماوية الثلاثة تفاوت قدر المرأة وتأرجحت حقوقها بين "المنح" و"المنع" وإن بدت مهدرة الحقوق بصورة واضحة عند اليهود كما جاء في التوراة المحرفة "إلا أنها استعادت مجدها كاملاً مع بزوغ فجر الإسلام الذي وضع المرأة في مكانة كبيرة تستحقها. فلاسفة اليهود لعنوها لم تنل المرأة ميزة أو حقاً عند اليهود، بل كان بعض فلاسفتهم يصفها بأنها "لعنة"، وكان يحق للأب أن يبيع إبنته إذا كانت قاصراً، وجاء في التوراة: "المرأة أمر من الموت.. وأن الصالح أمام الله ينجو منها"، ورغم أن المرأة كانت متواجدة في الحياة العامة إلا أن التاريخ اليهودي أظهر أن المرأة ملعونة بل وصفها بأنها مسئولة عما يفعل الرجل من أفعال شريرة. وبرع كتاب اليهود في تصوير المرأة اليهودية كغانية، كما كانت المرأة في اليهودية هي المحرض الأول لجرائم الملوك والقادة، بل كانت صديقة للشيطان في حوادث القتل، وإذا أنجبت فتاة تظل نجسة لمدة 80 يوماً و40 يوماً إذا أنجبت ولداً. وما كانت ترث إلا إذا لم يكن لأبيها ذرية من البنين، وحين تحرم البنت من الميراث لوجود أخ لها ذكر يكون على أخيها النفقة والمهر عند الزواج، وإذا كان الأب قد ترك عقاراً فيعطيها من العقار أما إذا ترك مالاً منقولاً فلا شيء لها من النفقة والمهر.. ويؤمن الفكر اليهودي بأن المرأة هي المسئولة عن الخطيئة الأولى التي جلبت المتاعب للجنس البشري وضرورة تسلط الرجل عليها واستعبادها، ومن هنا فإن حقوق المرأة مهضومة تماماً في الديانة اليهودية، وتعامل كالمجنون وزوجها له حقوق لا تكاد تقابلها واجبات تتناسب مع ما له من سلطات على زوجته. وكتب اليهود المقدسة تعتبر المرأة مجرد متعة جسدية، عنها يقول التلمود ،الكتاب الثاني من كتب اليهود بعد التوراة،: إن المرأة من غير بني إسرائيل ليست إلا بهيمة، لذلك فالزنا بها لا يعتبر جريمة لأنها من نسل الحيوانات، وكذلك يقرر التلمود أن المرأة اليهودية ليس لها أن تشكو من زوجها إذا ارتكب الزنا في منزل الزوجية. وتتيح الشريعة اليهودية للرجل الحق الكامل في تطليق زوجته دون قيد أو شرط متى وكيفما شاء، ولم يُسمح للزوجات أن يطلبن الطلاق، وفي ذلك يقول سفر التثنية الإصحاح 24 الآية الأولى: "إذا لم تكن الزوجة لدى زوجها موقع القبول والرضا، وظهر منها ما يشينها، فإنه يكتب إليها ورقة طلاقها ويخرجها من منزله". وفي المسيحية إحسان وبحلول الديانة المسيحية منحت المرأة الكثير من الحقوق بعد أن كانت مضطهدة وليس لها أي مكان في مجتمعها حيث أوصى سيدنا عيسى (عليه السلام) بإحسان معاملة النساء. وساهم أتباعه في نفس الدعوة ومطالبة حواء بالالتزام بالإيمان وعدم ارتكاب الفواحش، وقد أعطى سيدنا عيسى (عليه السلام) درساً في معاملة المرأة حتى لو كانت خاطئة. وفي العصر الحديث مشاهد كثيرة توضح طريقة التعامل مع المرأة، ففي إنجلترا صدر أمر ملكي من هنري الثامن يحظر على المرأة قراءة الكتاب المقدس، ولم يكن للمرأة حتى عام 1882 الحق في التملك. كما أن شخصية المرأة في إنجلترا محجوبة بشخصية زوجها ولم يرفع عنها هذا الحجر إلا بحلول عام 1970 ، ثم صدر قانون عام 1883 باسم ملكية المتزوجة وبمقتضاه رفع عنها هذا الحجر. وفي إيطاليا أخرج قانون عام 1919 المرأة من عداد المحجور عليهم. وفي ألمانيا وسويسرا عدلت القوانين الصادرة في أوائل القرن العشرين من قواعد الحجر على المرأة، وأصبح للزوجة مثل ما لزوجها من حقوق. الإسلام كرمها وقبل مجيء الإسلام حصلت المرأة العربية في الجاهلية على بعض الحقوق، فكان يحق للفتاة أن ترى خطيبها قبل زواجها، وساعدت مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية والعسكرية والثقافية على فوزها ببعض المزايا في ذلك العهد، فالمرأة في الجاهلية أي ما قبل الإسلام اشتهرت بالشجاعة، وكان تعدد الزوجات في الجاهلية بغرض التفاخر لأن شيوخ القبائل كانوا يرغبون في التباهي بأن لديهم عدداً كبيراً من الزوجات والأبناء، وبالطبع انتشرت في الجاهلية جريمة وأد البنات، فكان يتم قتلهن بعد الولادة اعتقاداً منهم بأن إنجاب البنات يجلب العار للآباء. وعندما هبط الوحي على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) حمل معه فجراً جديداً لحواء انبثق مع أول الإشارات بأن تكون أول من آمن بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) امرأة هي السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)، وقد حمل القرآن الكريم آيات عديدة توصي بحسن معاملة النساء، منها سورة كاملة باسم "النساء"، وقد استطاع الإسلام أن يعطي لحواء جميع الحقوق التي حرمت منها في الحضارات السابقة مثل حق المساواة في العبادات والتشريعات وحقوق التعليم والعمل والميراث. كما كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يوصي بحسن معاملة البنات ويسعد عندما يُبَّشر بأن زوجته أنجبت له فتاة ويُبشر الرجل الذي يرزق بالبنات، بل إنَ الإسلام وضع الجنة تحت أقدام الأمهات بعد أن كان العالم يعتبرهن لعنة على اعتبار أن حواء أغوت آدم، بل اتخذ الإسلام موقفاً سليماً منصفاً من هذه القضية، فيقول الله تعالى: "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه" (البقرة 36) ويقول تعالى أيضاً: "فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ورى عنهما من سوآتهما" (الأعراف 20) ويقول عن توبتهما: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا". وعن حق اختيار الزوج عن عائشة (رضي الله عنها) تقول: إن فتاة دخلت عليها فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة، قالت اجلسي حتى يأتي النبي، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للرجال من الأمر شيء. وجعل الإسلام المرأة خير متاع الدنيا.. فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة". (رواه مسلم). ووضعت الشريعة الإسلامية حقوق المرأة في الزواج والطلاق والميراث التي كانت محرومة منه في العصور السابقة، وأصبح للمرأة في الإسلام دور مهم في الحياة الاجتماعية والعسكرية، ويشهد التاريخ أنها شاركت الرجال في عدد من الغزوات العسكرية وأبلت بلاء حسناً وحصدت ثمار التعليم لتصبح امرأة مثقفة وأديبة وبارعة في الشعر، إلى جانب العلوم والتمريض والتفقه في أمور الدين والدنيا.