يحتفل المصريون اليوم باستقبالهم للعيد الرابع لثورة 25 يناير التى اسقطت نظاما فاسدا هيمن على مصائرهم اكثر من ثلاثة عقود، فأجاعهم ودهور أحوال معيشتهم، ونهب ثروات بلدهم، بواسطة شبكات المصالح التى تحلقت حول العائلة الحاكمة التى كانت قد شاخت على مقاعدها، وأصبح كل همها تجريف مؤسسات الدولة من الكفاءات ليحل محلهم الذيول والأتباع، وتفريغ الحياة السياسية والحزبية من الكوادر التى يمكن أن تكون منافسا محتملا فى المستقبل «لجمال مبارك»، وإضعاف أحزابها، وزرع الانقسامات وسط صفوفها، وتأليب بعضها على البعض الآخر، لتصبح النتيجة المنطقية لهذه الأوضاع المختلة، حياة ديمقراطية شكلية، تأبى التداول السلمى على السلطة، وصراعاً ضارياً على السلطة بين الحزب الوطنى الحاكم الذى ينهشه الفساد، وتتنازعه مصالح متضاربة، عمادها الأساسى تزاوج غير مشروع بين المال والسياسة، وبين جماعة الإخوان المتعطشة للقفز إلى السلطة بأى شروط أو ثمن! يحتفل المصريون اليوم بثلاث سنوات من ثورة يناير، التى استردوا بها إرادتهم الحرة، فى رسم خريطة مستقبل بلدهم، وتحديد ملامحها، بعد أن أعادتهم الثورة بقوة إلى المشهد السياسي، الذى أجبروا على الابتعاد عنه أكثر من ستة عقود بذرائع سلطوية متباينة، كى يؤكدوا لكل من يعنيه الأمر، أن الطريقة التى حكموا بها، قبل 25 يناير 2011، بات من المستحيل تكرارها أو إعادتها للحياة، وأنها سقطت إلى غير رجعة، وهو الأمر الذى أكده الرئيس «عدلى منصور» فى خطابه الأخير أن الماضى لن يعود أبدا. يحتفل المصريون اليوم بثورة 25 يناير وبعيد وطنى آخر هو عيد الشرطة المصرية، التى رفض جنودها البواسل فى مثل هذا اليوم قبل 62 عاما تسليم أسلحتهم، وإخلاء مبنى محافظة الإسماعيلية لقوات الاحتلال البريطانى، ودافعوا عنه وعن أنفسهم بجسارة، فاستشهد منهم خمسون جنديا ونحو ثمانين جريحا، ليجددوا التأكيد على الدور الوطنى الممتد لهذا الجهاز، الذى سعت سلطات الاستبداد الوطنى إلى تلطيخ سمعته، بهدم العلاقة بينه وبين المواطنين، بالإفراط فى الحلول الأمنية لمواجهة مشاكل بلدهم، بعيدا عن سلطة القانون والدستور، والامعان فى التعالى على المواطنين، وإذلالهم فى الأقسام وأماكن الاحتجاز، والتمادى فى التعالى عليهم بتعديل شعار الجهاز من «الشرطة فى خدمة الشعب» إلى «الشرطة والشعب فى خدمة الوطن» وربما كانوا يقصدون، فى خدمة النظام! وها هم أبناء جنود الإسماعيلية وأحفادهم، يذودون بأرواحهم عن تراب وطنهم، ويواجهون غزاة العصر الحديث الذين يسعون لجر بلادهم إلى ظلام العصور الوسطى. وفى هذا السياق، وبصرف النظر عن جماعة الإخوان وحلفائها، يسود فى هذا الاحتفال اتجاهان، الأول يرى أن ثورة 25 يناير قد تم خطفها من قبل جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسى لم يشاركوا بها إلا بعد أن بدأت، وبعضهم أعلن مقاطعته لها بالادعاء أن الخروج على الحاكم كفر بالله، ,وأنها نجحت فى الإطاحة بنظام «مبارك»، وفشلت حين ذهبت ثمارها إلى غير من قاموا بها. أما الاتجاه الثانى فيرى أن الأمور لا يجب أن تتوقف عند هذا التقييم وفقط، بل يمتد إلى أن ثورة 25 يناير قد عدلت مسارها فى 30 من يونيو، حين استردت نفسها من الجماعة التى خطفتها، وأن الاحتفال ينبغى أن يتحول إلى وقفة للمراجعة، وليس للتراجع، ولتبادل الخبرات بين القوى المدنية التى شاركت فى الثورة، لدراسة النواقص التى اعترضت؛ حركتها، وللإجابة عن الأسئلة التى كانت مطروحة فى كل ميادين الثورة، ولم يشأ أحد من شباب الثورة أن يلتفت لها، أو يجيب عنها، أو حتى يقبل بها. فهل تفرغ شباب الثورة للهجوم على الحياة الحزبية القائمة، كان عملا ثوريا ،أم نقصا فى الوعى والمعلومات، أم رغبة فى تميز فى غير موضعه، لاسيما أن شباب تلك الأحزاب كان الوقود الأكبر لحركة هذه الثورة؟ وهل كان الهجوم على العمل الحزبى وراء رفض شباب ثورة يناير لوجود بناء تنظيمى لحركتهم، يمتلك رؤية فكرية موحدة، وقيادة توافقية لعملهم، ورفضهم للانخراط فى الاحزاب القائمة، أو حتى تشكيل أحزاب جديدة،؟ وإلى أى مدى أضر ذلك بحركة الثورة، وأثر فى المسار الذى آلت إليه؟ وهل كان ذلك سببا فى الأخطاء التى حدثت فى بناء التحالفات؟، وهل كان التحالف مع جماعة الإخوان صائبا ،أم أنه بنى على تصورات غير حقيقية للجماعة، أم مبالغات وهمية عن منافسيها؟ وهل الصدام العنيف مع المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى كان ضروريا وعفويا، أم كان فخا أوقعهم فيه التحالف مع جماعة الإخوان التى كانت تلهث للانقضاض على السلطة، وهى تدفع الشباب إلى تبنى شعارها البغيض يسقط حكم العسكر ؟ وهل كان من الجائز أن يحول الشباب التظاهر والاحتجاج إلى أهداف فى حد ذاتها، بينما هى وسائل لتحقيق غاية، وهل يدركون حجم الدور الذى لعبه ذلك فى زعزعة الاستقرار السياسي والأمنى والاقتصادى لبلدهم؟ وهل شباب الثورة على استعداد لإعادة تأمل ما جرى فى 25 يناير استنادا إلى ما تكشف من أن بعض الأفراد والقوى التى دعت للثورة وشاركت فيها، كانت على صلات قوية بالخارج من حيث التمويل والتدريب، والأجندات التى تحملها، وفى القلب منها موقع «كلنا خالد سعيد» الذى تبين لاحقا تبعيته الكاملة لجماعة الإخوان، فضلا عن حركة 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين وبعض قادة الجمعية الوطنية للتغيير، وغيرهم ممن لعبوا إدوارا تخريبية تدعو إلى الفوضى، وتحرض على الدخول فى مواجهات عبثية مع مؤسسات الدولة، التى بات تحديها وإضعافها وهدمها، هدفا معلنا لكل هؤلاء؟ الإجابة الشفافة والصادقة عن هذه الأسئلة وغيرها ،هى فى ظنى الاحتفال الحقيقى بثورة يناير، كى تبدأ عامها الرابع على أرض صلبة، تم قبل أيام تمهيدها بقول عشرين مليون مصرى نعم للدستور الذى يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة تنافس بأدوات العصر كى تلحق بمنجزاته، وهو هدف من المستحيل إدراكه فى بلد يعجز فيه الناس عن مراجعة وتدارك اخطائهم ،ويصدر إليه صراع مفتعل بين أجياله، وبين مواطنيه، اليس كذلك؟!