يتميز الشعب المصري بقدرة هائلة ومبدعة علي التحايل الاجتماعي والسياسي بتطويع الأحداث وتلوين المصطلحات وفقاً لهواه ورؤيته الشعبية والنفسية فيسمي أعداءه وظالميه بأسماء مستعارة مكنية حتي يتمكن من نقدهم وسبهم دون مساءلة، كما يطلق علي أبطاله ألقاباً حتي يستطيع أن يهتف بأسمائهم بحرية نكاية في عدائه. وقد امتد هذا الأمر حتي وصل إلي المرض الشهير اللعين (السرطان) الذي من فرط كراهة المواطن المصري له وخوفه من مجرد ذكر اسمه صراحة أن أطلق عليه لقب »المرض الوحش« فوقر في الوجدان الشعبي للمصريين أن مرض »السرطان« هو المرض الوحش أو البطال الفتاك الذي إذا أصاب أحدهم فلا مصير له إلا الموت. وقبل أن يتساءل القارئ الكريم ما الحكاية أقول له نعم يا عزيزي لقد أصابني »المرض الوحش« منذ عدة شهور، حيث اكتشفت وجود ورم غير حميد بمنطقة المعدة، وقد تلقيت الخبر اليقين بكل إيمان صادق وروح صابرة وثقة في رحمة الله وحكمة ابتلاءّ، فما أعظم أن تكون في معية الله وكنفه ورعايته، ألم يقل سبحانه أن من زار مريضاً كمن زارني وسيجدني عنده.. فابتلاء الله للإنسان بمثل هذا الاختيار الصعب إنما هو دليل محبة الله لي وإرادته في أن يطهرني في الحياة الدنيا من كثير من الذنوب والآثام التي نرتكبها علي مدار حياتنا اللاهية العابثة. فما من شوكة يشاكها الإنسان إلا ويمنحه الله بها حسنة ويمحو بها عنه سيئة، وكل ما أتمناه أن تسعني رحمة الله ويمد بي العمر حتي مع معاناة المرض فقط حتي تلك اللحظة الزمنية التي ينتهي مع اختباري الدنيوي بالنجاح والتخلص من أغلب آثامي وسيئاتي لأفوز بالجائزة الكبري بلقاء الله بقلب سليم وجسد طاهر وروح تنعم بجزاء الصابرين المحتسبين. أما عن الصبر والاحتساب فلي معهما صولات وخبرات بما عانيته منذ سنوات مع وفاة شقيقي الأكبر اللذين سبقاني إلي دار الخلد بعد معاناة طويلة مع أمراض الكبد فانتهت حياتهما في ظل وجود الأب المكلوم، فلو تأملت وضعي سأجدني أفضل حالاً من جهة معينة، ذلك أن رحيل الابن في حياة أبيه لأمر في غاية القسوة والصعوبة للأب الذي تتضاعف آلامه النفسية وعذاباته الروحية مع رحيل فلذات أكباده الذين كانوا يمثلون لديه الحياة والأمل والرجاء. فلا تتعجبوا حين تجدونني أحمد الله كثيراً علي ما أنا فيه وأن ما أصابني قد أصابني بعد رحيل الوالد عن الدنيا وقبل أن يشاهد علي حياة عينه نجله الثالث وهو معرض لأن يخطفه طائر الموت في أي لحظة وهو قدر لا شك محتوم علي كل البشر مهما طال العمر أو قصر. فحين نرحل نحن عن الحياة نكون قد وصلنا إلي الراحة المستديمة والمقام الأخير الذي تنتهي معه معاناتنا في الدنيا. لكننا مع الرحيل نكون قد تركنا لأهلنا ومحبينا كل الحزن والشقاء ليعانوا آلام الوحدة ووحشة الفراق.. وهو أكثر ما كنت أخشاه أن يحدث للوالد الراحل الكريم وتلك هي حكمة الله ورحمته فيما جري ويجري الآن من تصاريف الحياة. وما كنت أغفر لنفسي أنا بين يدي الله فيما لو كنت سبباً في معاناة جديدة لأبي. لذلك أقول إن المرض نفسه نعمة من الله ومنحة من لدنه سبحانه المهم أن يتفهم الإنسان تلك العطايا الإلهية ويتقبلها عن طيب خاطر راضياً مرضياً بما منحه الله إياه. فأول الطريق للانتصار وهزيمة المرض هو مواجهة بكل صراحة وبلا ضعف أو جزع وأن نستمد من الله كل القوة والصبر والإيمان والبشري، وهو ما يلعب دوراً مهماً في فرص الشفاء، وفي النهاية أجدني مديناً بالاعتذار للقارئ العزيز الذي أزعجته بأمر شخصي وشغلته بما لا يعنيه لكنني رأيت أنه ليس أجمل من أن يتحدث المرء إلي محبيه والمخلصين من أصدقائه. وهنا يكون كل الشكر والامتنان الواجب لكل من عرف وسأل عني أو زارني وقدم لي الدعم الروحي والإيماني وكذلك النصائح والمشورة، ولا نسألكم إلا الدعاء بالرحمة والصبر وأن يمنحني الله مزيداً من القدرة علي الاحتمال والمواجهة أنه الشافي المعافي ونعم المجيب. [email protected]