من المقرر شرعاً أنه لا يحكم علي شيء بحكم تكليفي «واجب، مندوب، حرام، مكروه، مباح» إلا بنص شرعي من آية قرآنية محكمة، أو سنة نبوية صحيحة، أو إجماع معتبر، والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل معتمد معتبر ومسألة زيارة أماكن في غير حكم المسلمين فلا مانع حيث لا مانع، حتي لو كانت الأماكن لمسلمين واحتلها غاصبون كالأراضي الفلسطينية وما يماثلها من أماكن في مناطق في العالم المعاصر، وزيارة المسجد الأقصي ومكانة القدس الشريف، ومزارات أخري، ومعالم دينية لا حرج في القدوم إليها وإن كانت تحت الاحتلال الصهيوني، ولا يعد هذا كما يتعلل مانعون تطبيعاً مع العدو الإسرائيلي، لأن المعقول علي فرض صحته لا يناهض المنصوص الشرعي، فزيارة السجين ليست رضا أو مودة لسجانه! وقد تواترت وتوافرت أدلة نصية وعقلية علي مشروعية زيارة فلسطين بما فيها من مزارات فمن ذلك: 1 - أخرج الشيخان - البخاري ومسلم - بسندهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصي، فتح الباري 3/63، مسلم 2/976. وجه الدلالة: جعل الشرع المطهر المسجد الأقصي أحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال، إعلام الساجد ص 288، تحفة الراكع والساجد ص 187. 2 - حدوث معجزة «الإسراء» بدءاً من مكة وهي تحت السيطرة القرشية الوثنية، و«المعراج» والقدس تحت الحكم الروماني. 3 - أداء رسول الله صلي الله عليه وسلم عمرة القضاء في ذي القعدة سنة 7 هجرية، ومكة والمسجد الحرام قيد الهيمنة القرشية الأصنامية الشركية، فتح الباري 7/571، الروض الأنف مع سيرة ابن هشام بالهامش 4 و76، وما بعدها. 4 - زيارة مسلمين صحابة أخيار لمكة وهي تحت السيطرة القرشية الشركية مثل زيارة عثمان بن عفان رضي الله عنه لها وقت صلح الحديبية، صحيح البخاري 7/48 ومسند أحمد 1/59، أما عدم طوافه بالبيت الحرام وقتها تقدير منه لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، الذين أحصروا وقتها عند البيت الحرام. 5 - لما حصل اجتياح القرامطة لمكة ونزعهم للحجر الأسود من مكانه سنوات فإن المسلمين لم يتمنعوا عن أداء المناسك للحج والعمرة. 6 - من المقرر شرعاً أنه إذا كانت المصلحة فثم شرع الله، ومؤازرة أهل فلسطينبالقدس وغيرها وتفقد أحوالهم علي أرض الواقع، ومشاورتهم ومناصحتهم، وتكثير أعدائهم، ضد الاحتلال الصهيوني والعدوان الإسرائيلي، كل ذلك مصالح شرعية معتبرة. 7 - الأصل في الأشياء الإباحة، فلا مانع حيث لا مانع، وزيارة مقدسات الإسلام «المسجد الأقصي» ومعالم ومزارات كلها بركات «باركنا حوله» من القربات التي يحض عليها الشرع المطهر. 8 - معروف أنه لا يحرم علي الناس شيء إلا بنص من آية قرآنية محكمة، أو سنة نبوية صحيحة، أو إجماع معتبر معتمد، ودعاوي هجر المسجد الأقصي والقدس خالية من هذه الأدلة والأصول الشرعية المعتمدة، فلا يعتد بآراء عقلية تجابه المنصوص. تأسيساً علي ما ذكر: شد الرحال إلي المسجد الأقصي تشرفاً وتبركاً، وزيارة معالم إسلامية مشروعة ومهمة، ولا يعتد بآراء سياسية فاقدة لفقه المقاصد والواقع والأولويات. تطبيقاً لما ذكر فقريباً ألبي الدعوة الكريمة من شيخ المجاهدين بحق الرئيس محمود عباس - حفظه الله وأعانه وإخوانه - رئيس دولة فلسطين لزيارة المسجد الأقصي والقدس والحرم الخليلي والإبراهيمي ومراقد سادتنا الأنبياء والرسل عليهم السلام والأولياء والمجاهدين رضي الله عنهم، والله تعالي من وراء القصد. د. أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر