أكتب اليوم عن قضيتين يبدو من بعيد ألا رابط بينهما ولكن المدقق في تتابع الأحداث السياسية في مصر منذ الاطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي في ثورة 30 يونية، يكتشف أن هناك علاقة قوية للغاية بينهما إن لم يكن في الحدث نفسه - الترشح للرئاسة - ففي التسلسل الزمني على الأقل، حيث جاءت استخارة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي القيادي بجبهة الانقاذ لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة في 2014 عقب رؤيا السيسي بحكم مصر مباشرة. جاءت رؤيا السيسي أولاً، وإن شئت الدقة فهما رؤيتان الأولى رأي فيها الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع بيده سيفاً مكتوباً عليه بالأحمر «لا إله إلا الله» وفي الرؤيا الثانية رأى أحدهم وقد أهداه ساعة «أوميجا» عليها نجمة خضراء كبيرة ترمز الى مصر، كما رأى السيسي أنه التقى الرئيس الراحل أنور السادات ودار بينهما حوار قصير يفهم منه أن الرئيس القادم لمصر هو عبد الفتاح السيسي! ومع أن الرؤيا ثابتة في القرآن يهبها الله لعباده الصالحين ولبعض الأنبياء والرسل كما حدث مع سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، وكما حدث مع سيدنا يوسف عليه السلام «يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين» قال: «يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين» صدق الله العظيم. وما إن أعلن الفريق السيسي عن الرؤيا التي رآها في المنام - وقد صدقها الداعية السعودي العريفي فيما بعد حين ذكر أن مستشاراً عسكرياً مصرياً حلم بحكم مصر - إلا أن الاخوان ومن يدور في فلكهم لم يصدقوا ذلك، واعتبروا الرؤيا تعبيراً عن حلم السيسي الدفين في حكم مصر، رغم أن كل ما يصرح به عكس ذلك، وأن وزير الدفاع أطاح بالرئيس المعزول مرسي من أجل احتلال مقعد الرئاسة، متناسين الثورة الشعبية في 30 يونية وخروج قرابة 33 مليون مصري ضد مرسي والاخوان، كما نسوا أيضاً الخزعبلات والأباطيل التي روجوها خلال اعتصام رابعة العدوية، وأبرزها أن الرئيس المعزول مرسي صلى بالأنبياء والرسل، وأن كبير الملائكة جبريل ظهر في رابعة فجراً ووعد الإخوان بالنصر، قبل أن يتم فض اعتصام رابعة بالقوة بعد فشل كل الدعوات لإخلاء الميدان سلمياً. أنا شخصياً أصدق رؤيا السيسي وإن كنت أتمنى ألا يصرح بتلك الرؤيا حالياً حتى لا يستغلها الاخوان للهجوم عليه وعلى ثورة يونية قبل المضي قدماً في الاعلان الدستوري والاستفتاء على الدستور منتصف يناير المقبل. الرؤيا لا تقتصر على الرسل والأنبياء فقط بل تمتد إلى بعض العباد الصالحين، وهناك واقعة معروفة حدثت مع الرئيس المخلوع مبارك في نهاية الستينيات من القرن الماضي، حيث كان مبارك وقتها في بعثة لتدريب الطيارين السودانيين على طائرات ميج في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، وفي احدى المرات طلب طيار سوداني من مبارك أن يصليا العشاء في احدى زوايا أحد مشايخ الصوفية لأنه طلب رؤية مبارك، وبالفعل ذهب مبارك والطيار السوداني الى الزاوية المقصودة، وبعد الصلاة نظر الشيخ السوداني طويلاً الى مبارك وقال للطيار السوداني: هذا رئيس مصر!! حدث ذلك في عام 1970 تقريباً.. وهناك قال مبارك: رئيس مصر ازاي؟ ما معنى هذا الكلام؟ رد الشيخ السوداني: انت ستكون رئيساً لمصر يوما ما سوف نرى.. وتحققت نبوءة ورؤيا الشيخ السوداني فعلاً في عام 1981 بعد اغتيال الرئيس السادات في حادث المنصة الشهير ليصبح مبارك رئيساً للجمهورية فعلاً ويبقى في الحكم زهاء 30 عاماً حتى تم خلعه في ثورة 25 يناير 2011. نعود إلى استخارة حمدين صباحي التي قرر بعدها أنه صلى صلاة الاستخارة وسوف يخوض انتخابات الرئاسة القادمة بناء على تلك الاستخارة، المثير هنا أن موقف صباحي من الانتخابات متأرجح حيث قرر قبل صلاة الاستخارة أنه لن يخوض انتخابات الرئاسة طالما أن المرشح هو الفريق أول عبد الفتاح السيسي لوجود شبه إجماع عليه وأنه لا يريد تفتيت الأصوات حول الرجل الذي حمى ثورة 30 يونية وأطاح بحكم الاخوان المسلمين بعد سوء أداء في الحكم مدة عام كامل، عادى فيها مرسي والاخوان الجميع من الجيش الى الشرطة الى القضاء الى الاعلام الى المثقفين الى المحليات وإلى كل فئات المجتمع تقريباً. المثير في استخارة الصباحي أنها جاءت بعد رؤيا الفريق السيسي بأنه سوف يصبح رئيساً لمصر، وعلى هذا يمكن تفسير تلك الاستخارة في ضوء الآتي: ان صلاة الاستخارة محاولة أخيرة من الصباحي لدفع الفريق أول السيسي لعدم خوض انتخابات الرئاسة لأنه في اعتقاده متردد ولم يحسم أمره بعد، وطالما استخار الصباحي فلا يجب أن ينافسه أحد في تلك الانتخابات خصوصاً السيسي صاحب الكارت الجوكر الذي يكسب الجميع من كل التيارات والأحزاب السياسية وأياً كان المرشح أمامه. الاستخارة رسالة الى جبهة الانقاذ لكي تحسم أمرها من ناحيتين الاولى هي الدفع لاجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية أولاً، والثانية هى الاستقرار على حمدين صباحي مرشحاً للجبهة في خوض الانتخابات الرئاسية. الرسالة الثالثة لصلاة الاستخارة موجهة الى التيار الاسلامي ومفادها أن حمدين صباحي مرشح الثورة وجبهة الانقاذ لا يعادي التيار الاسلامي بدليل أن الرجل يلجأ الى صلاة الاستخارة التي استقر عليها الفقهاء لحسم الأمور المتأرجحة والتي لم تحسم بعد وفي كل الأحوال. قطار انتخابات الرئاسة يحمل العديد من المفاجآت ونعتقد أن استخارة صباحي أولها وليس آخرها.