من يوميات مصري في اليومين البرد والمطر والثلج: لزمت بيتي مثل ملايين غيري، ساعة هجوم الشتاء المباغت، الدنيا تحولت فجأة إلي ثلاجة كبيرة، فتحولت أنا إلي «كرنبة» غريبة، ارتديت بيجامة كستور ثقيلة.وجورب رياضي أبيض، حتي لا تتجمد أصابع قدمي التي لم أعد أشعر بها أصلا.تأكدت من إغلاق زجاج كل النوافذ. وكانت الرياح تزمجر في الخارج. جو مفاجئ مخيف وسخيف. شوارع العاصمة غرقت في مياه الأمطار. السيارات تمشي خائفة بطيئة في الطرقات الخالية المزدحمة. الشتاء المتأخر عاد سهوة. وضرب القاهرة علي رأسها في ساعة! تحت اللحاف وضعت بطانية تكومت داخلهما مثل صرصار مرتعد طوال عمري أحب الشتاء أكثر وأعشق المطر وحباته تسقط مغلفة بالشجن علي بيتنا القديم. لكن مال هذه الأمطار الغريبة تنهمر في غباء كأنها بواقي سيول ضلت الطريق! دقائق وانتبهت في مخبأي بالسرير تحت اللحاف والبطانية الي صوت «تك..تك» يأتي من حمامي الوحيد القريب، أرهفت السمع فعرفت وتأكدت أن شقتي كائنة في الطابق الثاني تحت سطح البيت مباشرة ولقد غرق «السطوح» بمياه الأمطار التي تمكنت من اختراق بلاط السطح وتسللت إلي سقف حمامي وبدأت تتساقط علي أرض الحمام «تك.. تك»! يا لهوي، ماذا لو انهار سقف الحمام بفعل هذه المياه المهاجمة، هل أجد نفسي في الهواء الطلق؟ وكيف أدخل الحمام وهل سيراني الجيران؟ يا نهار مش فايت.تبخر القليل من الرومانسية العالقة في مشاعري بأمطار الشتاء. كيف لم أحسب حساب هذا اليوم؟ وكيف يأتي الخوف والحزن من الأشياء التي نحبها ولماذا هذا الغدر يا مطر؟! في طفولتي غنيت مع أقراني في الحارة، وشتاء القاهرة يجود بأمطاره النادرة «يا مطرة رخي رخي.. علي قرعة بنت أختي» نفس الغنوة غنتها لي وحدي الجميلة الراحلة سعاد حسني ليلة أن غادرنا بيت صاحبي رؤوف المناوي وزوجته الجميلة رولا خرسا في لندن، خرجن بعد منتصف الليل لنجد الأمطار تغرق عاصمة الضباب وسمعت زوزو ورأيتها علي حقيقتها، الطفلة المصرية البريئة تغني إلي لندن النائمة الباردة «يا مطرة رخي رخي.. علي قرعة بنت أختي»! الله يرحمك يا زوزو.. لكن هذا الشتاء ليس فصلا من أربعة فصول تأتي وتذهب، بل هو شتاء العمر الذي انقضي معظمه والزمن والمرض جعلا الأوصال ترتجف ولو من نسمة باردة والوحدة هي شتاء القلب الحقيقي الموجع. إن الصقيع في روحي وليس في عظامي.شتاء الطبيعة لم يقتلني قط، بل ذبحتني إحباطات الدنيا وغدر الناس والأحداث. ذلك هو شتائي!