كعصفور برىء يرفرف فى سماوات لا منتهية. كطفل صغير يشخبط بطبشورة على السبورة فى غياب مدرس الفصل. كنقطة ماء غافلتنا وانهمرت من فتحة صنبور كان محكم الإغلاق لعقود من الزمن. يتنفس باسم يوسف الحرية فى أرض لم تذق بعد سُكر الفعل الطائش فى تحطيم الآلهة، وكسر التابوهات، وتحديد إقامة الفراعنة. يتنفس بعمق فى مجتمع اعتاد المواربة، ونصف الحقيقة، وأدمن السكوت فى لحظات الريب. عاد يوسف للعمل. للجمهور. للفن. للانتقاد. للسخرية. للسير فوق الحبال. لرش الصراحة على الناس رشاً جميلاً. للرد على المترددين والمتيبسين وسدنة المعابد ومطأطئي الرؤوس. مثلما كان قبضة تحد فى وجه قبح النظام الإخوانى، يعيد باسم تسجيل نفسه بحزب الرفض والتمرد. بسخريته الجديدة أعاد الرجل الموهوب بلاشك سهام النقد للدولة الأمنية التى تحاول أن تعود. لرجال مبارك الذين أطلوا مرة أخرى عبر الفضائيات، لاعنين ثورة يناير فى وقاحة لا تغتفر. لمدمنى صناعة الفراعين من عهد رمسيس إلى عصري مبارك ومرسى. ومهما اختلفنا أو اتفقنا مع باسم يوسف فليس مقبولاً أن تلاحقه تهم التأخون والتأمرك ويواجهه طوفان الردح بدعوى السخرية من النظام الحالى. ليس منتظراً ممن حوّل هموم المصريين إلى نكات وفكاهة أن يصمت. ليس متوقعا للمشاغب الذكى الذى حرّض ضد الخوف، والنفاق، والاستبداد أن يقدم تأييدا على بياض للفريق السيسى أو حكومة الببلاوى أو أى شخص، مع كامل تقديرنا لجميلهم فى استعادة مصر. إننى أكتب ذلك، وحملة منظمة تشن بجنون على الفنان الساخر عبر المواقع الالكترونية. فنانون وكتاب وإعلاميون ونشطاء قالوا عنه ما لم يقل فى الخمر بدءاً من وصفه ب«الأراجوز» وحتى وصمه بالخروج علي الآداب العامة والانحلال الاخلاقى. إن ادارة عموم القبح ترفض أن يعلو صوت فوق أصوات أعضائها، أو أن يخالف أحد توجهاتها، أو يراجع أحد أقوالها، أو أن يكشف شخص ما حقيقتها. فهم رابحون دائما، مع مبارك رابحون، ومع طنطاوى رابحون، ومع مرسى حتى رابحون. ولو جاء الشيطان حاكما سيسمونه نبيا، ولو جاء نبيٌ لشيطنوه وفرعنوه، وألهوه. إن مثل هؤلاء كمثل الإخوان وأشياعهم. يحبونك إن اتفقت معهم فى شىء، يقبلون نضالك إن صب فى آبارهم، لكنهم بعد أن يفوزوا بالبئر يمنعونك الماء ويلتفتون إليك بخناجر مسمومة، وارهاب «ميدياوى» كى تصمت أو تتجنب الاشتباك معهم. سيطاردونه بالشائعات، ويستبيحون خصوصيته، ويرشقونه بحجارتهم، ثم يمزقونه إربا باسم الوطن، لكنهم لا يعرفون ما هو هذا الوطن الذى يحتكرون الحديث باسمه. يسأل المبدع العربى العظيم عبد الرحمن منيف السؤال الصعب: «ما هو الوطن؟ التلال الجرداء؟ العيون القاسية التى يطل منها الحقد والسخرية وكلمات الرصاص؟ الوطن أن يجوع الإنسان؟ أن يتيه فى الشوارع بحثا عن عمل ووراءه المخبرون؟». إنه ليس ذلك، فالوطن هو ما نريد أن يكون لا ما يريدوننا أن نقبل. والله أعلم. MOSTAFAWFD@HOTMAIL