يحاول كتاب "رأسمالية المحاسيب: دراسة في الاقتصاد الاجتماعي" للدكتور محمود عبدالفضيل إلقاء الضوء على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة في مصر، عشية ثورة 25 يناير، حيث يشير إلى عمق التناقضات الموجودة في المجتمع والاقتصاد المصريين في كافة جوانبهما، مع محاولة توثيق تلك الأوضاع بأحدث الأدلة الإحصائية المتاحة. ولأنها دراسة في الاقتصاد الاجتماعي، فقد حاول مؤلف الكتاب - الصادر عن دار "العين" بالقاهرة - أن يرصد أزمة الطبقة الوسطى، منذ بداية الألفية الجديدة، وظهور درجة عالية من الثراء الفاحش، وتبلور مجتمعات مغلقة للصفوة حيث يعيشون في حالة انفصام كامل عن المجتمع ومشاكله المعيشية. كما يلقي الكتاب الضوء على الرأسمالية الجديدة التي تكونت منذ التسعينيات، والتي كانت - في معظم الأحوال - في تطورها ومسارها نوعا من "رأسمالية المحاسيب"، نتيجة صلاتها الوثيقة بالسلطة ومركز صنع القرار . وقد نتج عن ذلك تكوين عدد كبير من المراكز الاحتكارية في فروع مهمة من النشاط الاقتصادي، حيث لعبت آليات الفساد دورا في تعزيز تزاوج الثروة والسلطة في مصر. ويشير الكتاب أيضا إلى الفجوة الكبيرة في توزيع الدخول وسياسات الأجور، وفي مسارات العملية التعليمية، حيث أدت تلك المظالم والتفاوتات إلى تبلور مطالب ثورة 25 يناير، في رفع شعارات الحرية والعدالة والكرامة الانسانية. ويبدأ المؤلف كتابه بقوله إنه سيحاول عبره الإجابة عن سؤال طرحه نابليون، بعدما وقف طويلا أمام تمثال أبو الهول: "يا ترى ماذا يدور في بر مصر؟ "ويزخر الكتاب بالجداول والاحصاءات التي تناسب موضوعه، وينقسم إلى سبعة فصول: يقدم الأول بانوراما المجتمع المصري في مطلع القرن الحادي والعشرين، ويتناول الثاني الطبقة الوسطى وظاهرة الصراع الطبقي، ويرصد الثالث الأثرياء ومجتمعات الصفوة، ويعالج الرابع الرأسمالية الجديدة وتكوين المراكز الاحتكارية، والخامس آليات الفساد، والسادس توزيع الدخل وسياسات الأجور، فيما يتناول الفصل الأخير الشمال والجنوب في العملية التعليمية. ووفقا له، فقد تسببت رأسمالية المحاسيب في خراب واضح على غير صعيد، لعل أهمها وأخطرها هو مجال التعليم. فبحسب الفصل الأخير- في الكتاب- فإن حوالي 2 مليون شاب في مصر لم يلتحقوا بالمدرسة: 13 في المائة من الإناث و3 في المائة من الذكور في الفئة العمرية (10- 29 سنة)، بالإضافة إلى أن 5ر2 مليون شاب تسربوا خارج العملية التعليمية قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي، وهو ما يمثل نحو 13 في المائة في كل من الذكور والإناث في الفئة العمرية (14 - 25 سنة). ويلاحظ انخفاض الفجوة بين الذكور والإناث في معدلات التسرب من التعليم. وبحسب الكتاب أيضا فإن نحو ثلث أبناء الأسر الفقيرة لم يذهبوا قط إلى المدرسة، وحوالي 24 في المائة منهم تسربوا قبل إتمام التعليم الأساسي. أما التعليم الجامعي، فأصبح امتيازا للفئات الغنية والشرائح العليا من الطبقة الوسطى، خاصة في المناطق الحضرية، حيث لا تزيد نسبة المقيدين في الجامعات من أبناء الفقراء على 3ر4 في المائة.