في ضوء محاولة تحقيق أهداف ثورة 25 يناير تتجه السياسات الحكومية لتخفيف الأعباء على المواطن من خلال عدة محاور أساسية يأتي من بينها محاربة الغلاء وارتفاع الأسعار وهو ما يتحقق من خلال مجموعة من الطرق التي بدأت الحكومة فى تطبيق بعضها. يأتي ذلك لمواجهة جشع واستغلال واحتكار غالبية المنتجين والتجار في مصر، والذين يتسببون بجشعهم واستغلالهم في زيادة فقر المصريين والثراء المتزايد ومراكمة الملايين والمليارات على حساب الشعب المصري، فعندنا في مصر الأسعار ترتفع لا بمتوالية حسابية ولا حتى هندسية بل بمتوالية جنونية يغذيها الجشع واستغلال المواطنين. ومن الملاحظ أن أي ارتفاع في أسعار المواد الاولية (إن حدث بالفعل) يتم ترحيله بشكل مضاعف على حساب المستهلك النهائي حيث يتم من خلاله إخفاء أرباح مضاعفة يريد المستثمرون والمنتجون والتجار تحصيلها ومراكمتها على حساب المواطن سواء أكان فقيراً أو غنياً، فالاستغلال طبيعة لا تفرق بين فقير وغني والمسألة نسبية في النهاية في نظر المستغلين والجشعين. فضلاً عن ذلك فإننا نعاني في مصر من انتشار الاحتكار والممارسات الاحتكارية في عديد من الصناعات الاستراتيجية سواء في مجال مواد البناء أو الأسمدة أو المقاولات الكبرى أو غيرها من الصناعات التي تمس حياة المواطنين.. فالمنتج لسلعة أو مقدم لخدمة ما حين ترتفع الأسعار من حوله في مجالات وسلع وخدمات بعيدة عن مجال عمله، فإنه يلجأ هو أيضا إلى رفع أسعار سلعه وخدماته ليستطيع وفق وجهة نظره أن يتعامل مع الارتفاعات السعرية المحيطة به، وإن لم يلجأ فإن مورديه قد يلجأون إلى ذلك وبالتالي سيجبرونه على رفع أسعار سلعه وخدماته، وبالطبع فإن الذي يدفع الثمن في النهاية هو المواطن سواء كما سبق وأشرنا أكان فقيراً أو غنياً، فغنى المرء لا يجب أبداً أن يكون سبباً لسرقته أو استغلاله فلا نجد في أي دين أو نظام أخلاقي ما يدعو إلى ذلك. فارتفاع الأسعار هو إحدى أهم آليات ووسائل الإفساد في المجتمع، حيث يؤدي بالتبعية إلى شيوع ثقافة الاستغلال والرشاوي والمحسوبية والفساد ناهينا عن مشاعر الحقد والكراهية والحسد في المجتمع، وبالطبع فإن مجتمعى تشيع فيه مثل تلك الثقافات والمشاعر لا يمكن أبداً أن نتوقع ان يكون يوماً ضمن المجتمعات الناجحة أو المتقدمة، فكثير من أبناء مثل هذا المجتمع يصبحون بالضرورة المنطقية متفرغين للاستغلال والفساد والإفساد وتبرير وشرعنة ما يقومون به من تضييع للقيم والمثل والأخلاق الحميدة. إن شيوع الاحتكار والممارسات الاحتكارية وغياب قدرة الأجهزة الرقابية على ضبط ومتابعة السوق والمواجهة الباترة للمستغلين والمحتكرين والمتورطين في منظومات تهدف إلى استغلال المواطنين ورفع الأسعار عليهم، إما نتيجة لضعف وفشل وإهمال القائمين على الأجهزة الرقابية وإما لأن كثيراً منهم ما هم إلا محض مرتشين وفاسدين ومشاركين بشكل أو بآخر لهؤلاء المجرمين المتورطين في استغلال المواطنين. نحن في مسيس بل في حتمية الحاجة إلى قوانين جديدة حاكمة ومحكمة وشديدة الغلظة باترة لتنظيم عمل الأسواق في مصر في مجالات الضرائب التصاعدية وحماية المستهلك ومكافحة الاحتكار ولا أقول تكريس بل بناء الشفافية الغائبة عن آليات العمل والتنافس في السوق المصري يجب أن يتم تحديد هوامش ربحية مناسبة للمنتجين والتجار تختلف باختلاف نوعيات السلع والمنتجات والخدمات التي يقدمونها. فمنتجو وتجار السلع والخدمات الاستراتيجية يتم تحديد هامش ربح لهم أقل من الآخرين وذلك لحياتية وأهمية ما يقدمونه من سلع وخدمات تتعلق بالاستهلاك اليومي لكافة فئات الشعب، ويعوضهم في ذلك الاستهلاك الكثيف وشبه اليومي لهذه السلع كخدمات الاتصالات وصناعات الأغذية ومواد البناء والأسمدة باعتبارها أهم مدخلات عملية الإنتاج الزراعي والتي تنعكس أسعارها على السعر النهائي للمستهلك النهائي ألا وهو المواطن. وتكون هوامش الربحية في هذه الصناعات في حدود 15% وذلك بعد خصم كافة تكاليف الإنتاج بدءًا من أسعار الخامات والمدخلات وانتهاءً بالأجور وضرائب الأرباح، وترتفع هوامش الربح في بقية الصناعات والمجالات حسب الدراسات المستفيضة على ألا تزيد على 40 %، بينما يتم تحديد هوامش الربح للأسواق التجارية بحوالي 10 – 25 %، مع وضع نظام خاص ومقنن ويعمل بشكل آلي من المزايا الضرائبية والجمركية للمستثمرين الذين يحددون هوامش ربحية أقل ويقدمون مزايا في الأجور والمرتبات والتأمينات الصحية على الموظفين والعاملين معهم. لا بديل عن تعديل قانون حماية المستهلك ومنع الاحتكار الحالي فيما يتعلق بتغليظ العقوبات على المنتجين والتجار الفاسدين وبائعي السلع الفاسدة والمعيبة والمحتكرين، مع إيلاء جمعيات حماية المستهلك التابعة لمنظمات المجتمع المدني الإمكانية والآلية القانونية لمراقبة الأسواق ومتابعة التزام المنتجين والتجار بهوامش الربحية المنصوص عليها وعدم رفع الأسعار بلا ضرورة حقيقية على المواطنين مع تقديم المخالفين (إن تكررت مخالفاتهم اكثر من مرة واحدة فقط) إلى المحاكمات الجنائية شأنهم شأن المتهربين من الضرائب، هذا بالإضافة إلى العقوبات المدنية بتوقيع غرامات تقدر بثلاثة أمثال الأرباح التي حققوها فوق مستوى هامش الربحية المعتمد لهم، مع التأكيد على ضرورة النص القانوني على كشف أسماء المتورطين في جرائم استغلال المواطنين مهما صغر شأنهم ومهما علا شأنهم أمام الرأي العام على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام الأخرى.