ما بين كلمات الكاتب الصحفي مصطفى بكري وتحذير الفنان محمد صبحي خلال الأيام الماضية تنامى بين المصريين خط انقسام جديد يتجاوز ما حدث في 30 يونيو وما بعده بشأن الموقف من الإخوان ونظام حكم مرسي، ولكن هذه المرة على خلفية ترشيح السيسي للانتخابات الرئاسية المقبلة. وما بين ترحيب الفنانة ليلي علوى ومخاوف الناشط السياسي جورج إسحاق يمكن لنا أن نتصور ما قد يعتبره البعض حيرة تنتاب الرجل بدت واضحة في السؤال الذي وجهه له الزميل ياسر رزق في حواره معه الأسبوع الماضي حول ترشحه للرئاسة والذي تمثل في أن الوقت ما زال مبكرا لمثل هذا السؤال. غير أن المتأمل في مواقف بكري بشكل خاص يدرك المدى الذي وصلت إليه حدة المعركة حول ترشيح السيسي وكونها تعكس حالة استقطاب حاد حول هذه القضية رغم ما قد يراه البعض من أن مواقف بكري تلك تتضمن حالة من التهافت يجب ألا يظهر بها كاتب كبير مثله الأمر الذي يبدو واضحا في حديثه حيث يقول: «الفريق أول السيسي سنأتي به رئيسًا شاء أم أبى ولن نقبل برئيس غيره، وأنا كمواطن مصري لن أقبل برئيس دولة غير السيسي».. «حتى لو اضطررت لأن أذهب شخصيًا وأضرب عن الطعام أمام مكتبه إلى أن أموت». على المستوى المهني قد يصل الأمر بقطاع كبير من الصحفيين والكتاب، بحكم أخلاقيات المهنة في مساندة بعضنا البعض، إلى قبول ترشيح السيسي حتى لو كان لديهم تحفظات حتى لا يضرب بكري عن الطعام وينتهى مصيره على النحو الذي ذكره. غير أن مصائر الشعوب لا تتقرر على هذا النحو بأي حال من الأحوال.. بتهديد صحفي بالموت فيكون الإقدام على فعل معين من أجل تجنب تنفيذ مثل هذا التهديد. إذا كان لنا أن ندلي بدلونا في هذه القضية نرى أن هناك مجموعة من الأسئلة الاساسية التي يجب علينا كمصريين الإجابة عنها على رأسها : هل السيسي رجل المرحلة؟ ولماذا؟ وما تأثيرات هذا الترشيح على مسار العملية السياسية في مصر خلال المرحلة المقبلة؟ هل تدفع بها قدما للإمام؟ أم تجرها للخلف؟ وما هو المدي الذي سيتركه ترشيحه على شكل الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ ينطلق ذلك من حرص على ضمان أن تحقق ثورة يناير الأهداف التي قامت من أجلها وهي الإطاحة بنظام غلبت الصفة الديكتاتورية على أسلوبه في الحكم بشكل أدى إلى تراجع وضع مصر والمصريين في الداخل والخارج، للانطلاق لآفاق أرحب من العملية الديمقراطية في مسعانا للإجابة نشير إلى أن تغير وضع السيسي إلى ما هو عليه الآن بشكل أضفى عليه ما يمكن اعتباره هالة كاريزمية إنما تم بعد 30 يونيو. وإذا وضعنا في الاعتبار أن ما جرى في ذلك اليوم صنعه الشعب كما يؤكد فريق، وليس انقلابا عسكريا دبره الجيش، كما يؤكد فريق آخر، فإن البطل هنا هو الشعب المصري الذي ساندته قواته المسلحة وعلى رأسها السيسي. على ذلك يكون السؤال: هل لا يعدو الأمر، كما قد يرد في ذهن البعض أن يكون، سوى صناعة بطل شعبي.. المصريون في أحوج ما يكونون إليه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخهم؟ ليست المشكلة في ذلك طالما كان الرجل يمتلك مقومات هذه البطولة الشعبية غير أن المشكلة في تداعيات تلك العملية. تتمثل أولى تلك التداعيات حال ترشح السيسي للرئاسة في ثلاثة جوانب أساسية أولها إختفاء الطابع التنافسي من انتخابات الرئاسة بما يجعلها أقرب إلى الاستفتاء، حيث قد ينتهي الأمر بعدم وجود سوى مرشح رئاسي واحد. ومن مؤشرات ذلك إعلان الفريق عنان عزوفه عن الترشح لو ترشح السيسي، فضلا عن محاولات إثناء حمدين صباحي عن الترشح في ضوء إصراره على الإقدام على مثل هذه الخطوة. وفي ضوء تعذر إن لم يكن استحالة وجود مرشح إسلامي منافس باعتبار هذا التيار كان من الممكن أن يكون البديل، يمكن لنا تصور شكل الانتخابات المقبلة وأنها ستكون على نحو ما أشرنا إليه. تتمثل ثاني تداعيات ترشح السيسي في أنها ستجعلنا، على وقع الحالة الجماهيرية التي نعيشها الآن والتي تعكس تأييدا جارفا له، نعيش أجواء نتائج من الماضي تتمثل في حصول المرشح الرئاسي على 99.9 % من أصوات الناخبين. أما ثالث الجوانب، فيتمثل في أن الإيمان الطاغي بالسيسي، وهذا ليس ذنبه، سينعكس في حالة تجييش الإعلام وأجهزة الدولة لدعم عملية فوزه في الانتخابات ، سواء كان الدافع الأساسي هو مسايرة الموقف الجماهيري او غير ذلك. في المحصلة النهائية فإن تأثير ذلك على العملية الديمقراطية قد يكون سلبيا. بمعنى آخر أنه ليس هناك ديمقراطية في العالم تكون صيغتها متضمنة لأي من الجوانب الثلاثة السابقة، وقد يعزز ذلك على المدى الطويل، صيغ أو أشكال من إدارة الدولة تصب في غير ما طمح إليه الكثيرون من حالة الحراك السياسي الذي تبلور بعد يناير 2011. من ناحية ثانية فإن الخوف كل الخوف أن تفرض استحقاقات ما بعد الانتخابات الرئاسية نفسها في ظل زمان معيار تقييم الحكم فيه الإنجاز وليس الحب، فنجد الجماهير تخرج معارضة وساخطة على ذات النحو الذي خرجت به على مدى فترة ما بعد يناير في ظل حقيقة أن المزاج الشعبي المصري يعيش حالة تقلب تعكس قدرا مما يمكن وصفه ب «المراهقة السياسية» فتتحول الهتافات في اتجاه مغاير لنخسر بذلك حب الجماهير لشخصية أفرزت الظروف حالة توحد شعبي معها قد يكون من الصعب أن تتكرر. ماذا يعني ذلك؟ أن ننتظر ونرى .. والله غالب على أمره.