منذ أن تطأ قدمك قلب المنطقة وتهرول إليك وفود من المنتظرين للعمل، يسارعون للفوز "بالزبون" المنتظر، داعين إياك لركوب أحد الخيول، وبأقل الأسعار، وأحسن المناطق، وتجد هذا الوضع صباحا أو مساءً، هكذا الحال فى نزلة السمان. بعد أن كان الزائر لا يستطيع السير فى هذا الشارع الموصل إلى أهرام الجيزة من بوابة أبو الهول، بات هذا الشارع فارغا، لا يشغله سوى الخيول تأكل إن وجد طعامها، فبدت نزلة السمان خيولا بلا خيالة! فيقول الحاج نبيل (صاحب خيل) إن حال السياحة متوقّف منذ ثلاثة أعوام، ولا يفد إليهم عرب أو مصريون أو أجانب، موضحا أنهم الآن يصرفون على خيولهم من مالهم الخاص، إذ لا يوجد عمل وبالتالى لا يوجد عائد مادى من الخيول، مشددا على أنه لا بد من عودة الأمان لمصر حتى تعود السياحة كما كانت، مشيرا إلى أنه قام بتسريح العمالة التى كانت عنده لعدم وجود أموال. وأضاف نبيل أن هناك مناقشات من قبل أصحاب الخيول فى نزلة السمان بشأن تنظيم احتفالية فى 6 أكتوبر، يخرجون فيها بالخيول والجمال، كمبادرة منهم لتنشيط السياحة فى منطقتهم، وإرسال رسالة إلى الغرب بأن مصر بلد الأمن والأمان، ولكن ليس من المؤكد إتمام هذه الفكرة نظرا لضيق ذات اليد وفقا لعدم وجود عمل. واتفق معه الحاج أبو أحمد الذى عبر عن مدى تردّى حالتهم بعبارة طريفة "دلوقتى بنشحت سجاير كليوباترا بعد ما كنا بنشرب مارلبورو"، مشيرا إلى أن عقب ثورة 25 يناير كان هناك سوق عمل جيد وأوضاعهم كانت متحسنة كثيرا، ولكن الآن وبعد ثورة 30 يونيو وما حدث فى أعقابها باتت الخيول تموت بسبب قلة الطعام، معربا عن مدى استيائه من انعدام السياحة فى منطقتهم التى أصبحت خالية حتى من السياحة الداخلية؛ فالبلد أحوالها جميعا سيئة فمن أين يأتى المصرى بالمال؟! ويقول ولده أحمد معبرا عن الوضع قبل ثورة 25 يناير "كنا ملوك"، وعقب 25 يناير كان هناك شغل جيد، ولكن بدأ الجو فى الهدوء منذ 30 يونيو وعقب 3 يوليو انقطع العمل تماما؛ فأصبحنا لا نجد ما يطعمنا ولا ما يطعم الخيل، لدرجة أن الخيول أصبحت تأكل من نفسها، مضيفا أن قديما كان تأجير الخيول لساعة ب50 و60 جنيها، أما الآن ب15 فقط! موضحا أن الكثير من أهل النزلة قد آثروا الرحيل عن المهنة. وأكد ذلك الحاج زين، مشيرا إلى أن هناك من كانوا يأتون مساء ولكن بسبب الحظر لم يعد يأتى أحد مطلقا، وحتى فى سنة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى لم يكن هناك سياحة، إلا الرحلات المدرسية لزيارة الأهرام من قبل بعض المحافظات مثل الإسكندرية والمنصورة ويركب الأطفال بجنيه أو اثنين، مضيفا أنه يقطن منطقة ريفية تدعى كفرة نصار يقوم بتأجير خيوله فيها للأطفال بجنيه أو اثنين لعدم وجود عمل فى النزلة، وكذلك لتوفير الطعام لخيله على الأقل. ويقول الحاج حمادة أبو باشا إن الخيول كانت تأكل فى اليوم الواحد ب20 و 30 جنيها، أما الآن لو صرف عليها 10 جنيهات فقط يكون ذلك جيّدا، مشيرا إلى أن هناك جمعيات للرفق بالحيوان بدأت تأتى إليهم عقب ثورة يناير لتقدم لهم معونات غذائية للخيول، إذ كانوا يمدون النزلة كلها بحوالي 9 أطنان من الذرة، ويكون نصيب كل حصان حوالى 21 كيلو ذرة، ولكن انقطعوا عن المجيء من عام، أما الآن هناك جمعية شبرامنت تقدم الأكل للخيول ولكن بكمية غير كافية، فالخيل يحتاجون فى اليوم الواحد إلى 5 كيلو ذرة والآن يقدم لكل حصان ربع أو نصف كيلو فقط، مؤكدا أنهم في حالة انتعاش السياحة لا ينتظرون معونات من أحد ويتكفلون هم بالخيول، مشيرا إلى أن كثيرا من أهالى نزلة السمان تركوا العمل فى الخيول واتجهوا للعمل فى شركات فى وظائف عادية لتوفير احتياجاتهم الأساسية. وعن موقعة الجمل وما أثير حول وجودهم فى ميدان التحرير، أكد الحاج نبيل أن من خرجوا فيها خرجوا بالأساس فى مظاهرة ضد وزير الآثار السابق زاهى حواس؛ نظرا لقيامه بأعمال "جبارة" ضد العاملين فى نزلة السمان، مضيفا أنه لم يكن هناك أى نية لأذية المتظاهرين، موضحا أن من شاركوا فيها لم يكن معهم أى نوع من أنواع السلاح سوى العصى التى يستخدمونها بشكل طبيعى للخيول والجمال، وأنه فى حالة وجود نية قتل المتظاهرين لحملوا أسلحة بيضاء وأسلحة نارية. وهناك سيناريو آخر لمن خرجوا فى موقعة الجمل رواه أحد المشاركين فيها -رفض ذكر اسمه- أن من خرجوا كان مقصدهم شارع الهرم فى تظاهرة مؤيدة للرئيس المخلوع حسنى مبارك؛ لأن فى عهده شهدوا انتعاشة مالية كبيرة، فقرّروا الخروج بالخيول والجمال، وبعد أن وصلوا أول شارع الهرم قرروا الانتقال إلى ميدان مصطفى محمود، ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه، وبدلا من أن يتوصلوا لطريق يدخلهم إليه بعيدا عن التحرير اقتحموا ميدان التحرير، مؤكدا أنهم كانوا سيمرون من خلاله مستكملين طريقهم ولكن فوجئوا بالمتظاهرين يجذبونهم من أعلى الخيول والجمال ويبرحونهم ضربا، مضيفا أن الجمل الذى شوهد يترنح كثيرا ويجرى كان قد شاهد صاحبه ضرب وسالت دماؤه فأصيب بحالة هياج. وشدد المصدر على أن من خرجوا لم يقصدوا أذية المتظاهرين وإن كانوا ينوون لتسلحوا بأسلحة نارية، وأنه ليس من العقل بأن يكونوا مؤيدين للمخلوع ويذهبون إلى معارضيه! مؤكدا أنهم لم يتقاضوا أموالا فى سبيل ذلك، مشيرا إلى أن عضو مجلس الشعب الأسبق عبد الناصر الجابرى كان معهم يستقل " كارتة" ومنذ ابتداء اقتحام الميدان وبدء الناس جلب الخيالة من أعلى الخيول، اختفى عبد الناصر الجابرى وتراجع وتركهم فى مواجهة المتظاهرين. هكذا هو الحال فى نزلة السمان، أشهر منطقة لركوب الخيل فى مصر، الكل يهجر المهنة لعدم وجود عائد مادى يكفي حاجاتهم الأساسية على الأقل، أما عما حدث فى موقعة الجمل والتى تسببت فى توقف عملهم بدرجة كبيرة، فأيا كان الجانى الحقيقى وأيا كان من استغلت عقولهم فالشهيد سيظل شهيدا عند ربه وذويه، وسيظل هناك أحياء يحتاجون إلى سبل الحياة لاستكمال طريقهم. شاهد الفيديو: