قال وزير التموين والتجارة الداخلية د.محمد أبوشادي لزميلتنا جيهان موهوب في حوارها معه، الذي نشرته «الوفد» أمس: الحكومة ليست مغلولة الأيدي.. ولن نتردد في تطبيق التسعيرة الجبرية!، وقد طالعت الحوار كاملاً، مما كان دافعاً لي- بوصفي مستهلكاً مخضرماً- أن أندفع إلي المراهنة- ليس من باب التحدي لأحد في الحكومة أو خارجها- علي أن العودة إلي تطبيق تسعيرة جبرية - كما كان الأمر عندنا زمان- لن تكون ممكنة، حيث كان نظام التسعيرة الجبرية يعمل به في ظل حكومة قوية لها من قوة الردع والإجبار ما يدعمه النظام السياسي نفسه، ولست أظن اننا في مرحلة نتمتع فيها بنظام سياسي قوي تستند إليه حكومة قوية قادرة علي الردع لمن يتلاعبون بقوت الشعب، وإجبار منظومة التجارة الداخلية علي نبذ المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه هذه التجارة وهو مبدأ السرقة كلما كان هذا ممكناً!، بل واختلاق الظروف التي تسهل عمليات السرقة وانتهاز هذه الظروف أتاحت ذلك كالمواسم وشح بعض المواد موسمياً أو ارتفاع أسعار الدولار الذي لا يعقل أن يرتبط كل ما هو منتج محلي بارتفاعه!، وإلا لو صح هذا الزعم الرابط بين المنتجات المحلية وارتفاع الدولار!، فإن انخفاض الأسعار يرتبط بالضرورة تابعاً متي انخفض سعر الدولار!، مما نلاحظ انه لا يحدث أبداً!، ولنا في أيامنا الحالية الدليل علي تصاعد وارتفاع أسعار كافة المنتجات الغذائية والاستهلاكية رغم انخفاض أسعار الدولار!، وعندما يقول الوزير «إن الحكومة ليست مغلولة الأيدي» فإنني أري مع كل الناس أن الحكومة مغلولة الأيدي بالفعل!، وبالذات في مجال أسعار الحاجيات الاستهلاكية الضرورية!، وهم علي ألسنتهم السؤال الحائر: أين الحكومة من أزمة رغيف الخبز الذي يصلح للاستهلاك الآدمي فقط عندما يكون سعره مقطوع الصلة بتسعيرته!، ويذكر الوزير أن 97٪ من المخابز في يد القطاع الخاص، وأن الحكومات السابقة دأبت علي تدليل أصحاب المخابز الذين يحصلون علي دقيق مدعوم من الدولة ومخصص لرغيف آدمي للناس!، لكن الدقيق المدعوم يذهب لصناعات الحلوي التي يدفع فيه صناع الحلوي الكثير مما يجنب المخابز عناء تصنيعه رغيفاً من حق الناس!. وكثيراً ما أسمع وأقرأ حديثاً بات مملاً للآذان سخيفاً عند الكثيرين عن أن الدولة- أي الحكومة- تحارب الاحتكار!، الذي لم تستطع الحكومات علي تعاقبها كسره، وهي تعلم جيداً أن تجارة الخضراوات والفواكه- شأن صناعة الخبز- في يد نفر من تجار الجملة يتحكمون في أسعار هذه السلع، حيث هم قادرون علي شراء المحاصيل والحدائق المثمرة بأموالهم الطائلة حتي تصل عبر سماسرتهم إلي تاجر التجزئة الذي يتعامل مباشرة مع المستهلكين!، وهذا النموذج من الاحتكار قد أصبح ضاغطاً علي بائع التجزئة والمستهلك!، ولم تستطع حكومة واحدة- علي تعاقب الحكومات- أن تكسر هذه الحلقة الحديدية التي تمسك برقاب الناس!، والتلويح بفرض التسعيرة الجبرية وتغليظ العقوبات لمخالفيها لا أظن انه سوف يجعل طريق الحكومة في ذلك غير متاهة لا أول لها ولا آخر!، وخاصة أن مصر الحالية- ولها سنوات في ذلك- قد أصبحت لا تنتج ما تأكله!، بل وتستورد بعض الفواكه والخضراوات!، ولا حل للخروج من هذه المتاهة بغير أن تتفرغ مصر لتوسع إنتاجي زراعي يجعل المواد الغذائية تغرق الأسواق وتفيض عن حاجة المستهلكين!، وهنا يمكن للمحتكرين لتجارة هذه المواد أن يجدوا عوضاً عن «سرقاتهم» بتصدير الفوائض إلي بلدان أخري في حاجة إليها!، أو الانصياع لتسعيرة تهبط بالأسعار حيث تكون سائدة وعادلة.