عشت حياتي أعاني الذل والهوان.. ذقت القهر والحرمان رأيت الغش والغشاشين وتزوير ارادة الناس وسمعت عن المليارات التي يمتلكها رموز النظام - وأنا معدم فقير.. أحسست الذل والعجز طوال 30 عاما مضت ما بين غلاء المعيشة والبطالة وأزمة الاسكان.. رأيت الفساد والمفسدين - لكل هذا خرجت صباح يوم 25 يناير الماضي إلي ميدان التحرير مع مئات الآلاف من الشباب في مظاهرة سلمية للاعلان في صوت واحد رفضنا لهذا النظام الفاسد حتي كان اليوم الأسود في حياتي يوم الأربعاء 2 فبراير الماضي يوم معركة الجمل كما يقولون عنها..!! بهذه الكلمات الحزينة استهل زائري حكايته.. رجل تخطي ال 40 عاما من عمره.. هو محمد عباس محمد.. بنبرة حزينة قال محمد - حرمت حنان الأم بعد أن ماتت أمي وعمري أربع سنوات.. وبعدها بسنوات قليلة هاجر ابي إلي خارج مصر لا أدري اين وانقطعت أخباره عنا.. لم أجد سبيلا غير أن اشق طريقي في الحياة وحدي إلي أن حصلت علي الشهادة الجامعية من كلية الآداب.. كانت أحلامي كبيرة إلا انها تبددت أمام ابواب سدت أمامي وأنا ابحث عن وظيفة مناسبة تقيني شر الحياة لم أجد غير وظيفة عامل باليومية بمحجر بمنطقة »شق الثعبان« خلف سجن طرة - عامل تلميع الرخام والجرانيت.. وعندما قررت الزواج سدت كل الأبواب في وجهي ثانية أمام تساؤلات عائلة العروس - اين الشقة المناسبة - واين الوظيفة التي تضمن لابنتهم الأمان..؟! نصحني البعض باللجوء للمحافظة لطلب شقة وطالبوني بعقد زواج لإدراج اسمي بقائمة الانتظار لشهور وسنوات..!! ورفضت اسرة العروس.. تحليت بالصبر إلي ان بلغ عمري 43 سنة.. عشت الحرمان والذل إلي ان ايقظني اليوم الخالد 25 يناير الماضي مع ثورة الشباب الباسل.. لم اتردد لحظة اسرعت إلي ميدان التحرير يدفعني الحماس والاحساس بالظلم أنا ومئات الألوف من الشباب.. لم نخش بطش رجال الأمن.. وتعديهم علينا بالضرب المبرح والخطف بل واطلاق الرصاص الحي علينا ومات منا الكثير - لكني أصررت علي البقاء بالميدان حتي جاء يوم جمعة الغضب 28 يناير.. في الصباح الباكر انهال علي رأسي بالشوم والشلاليت رجال الأمن المركزي - بالضرب المبرح اطلقوا علينا الرصاص الحي والخرطوش حتي بعد سقوطي علي الأرض استمروا في عدوانهم علينا لم اشعر إلا وانا علي سرير بالمستشفي بعدها تم نقلي إلي مستشفي العيون بالجيزة لإصابة عيني برش الطلقات.. جراحات أجريت لعيني إلي أن سمح لي بالخروج وكان اليوم هو 2 فبراير.. لم اتردد انطلقت إلي ميدان التحرير مرة أخري إلي زملائي ولم أعر اهتماما بإصابتي - ظهر نفس اليوم وكان الأربعاء الدامي فوجئت بحشد من الجمال والجياد يقتحمون الميدان من ناحية ميدان عبدالمنعم رياض ومن ورائهم طوابير الشياطين من البلطجية جاءوا يحملون صورة الرئيس المخلوع وكميات ضخمة من جراكن البنزين وزجاجات المولوتوف والسنج.. ودارت معركة الجمال تصدينا لهم بكل الشجاعة ومات إلي جواري زملاء كنت أحبهم .. بينما اعتلي البلطجية أسطح العمارات بالميدان وراحوا يلقون المولوتوف علي المتظاهرين ومع غروب الشمس فوجئت بمجموعة من البلطجية ينهالون علي ضربا دون رحمة بقصد قتلي إلي أن سقطت علي الأرض.. ورحت في حالة إغماء.. وثم نقلي إلي مستشفي لا أعرفه.. وأقر الاطباء اصابتي بكسور مضاعفة بكل انحاء جسدي وأصيب ساعدي الأيسر بالشلل بينما استقرت رصاصة في ساعدي الأيسر.. إلي أن جاءني الخبر السعيد بتنحي الرئيس المخلوع.. كان بلسما ضمد جروحي.. إلا أنني اصبحت عاجزا عن العمل ولم يعد باستطاعتي الاستمرار في العمل بالمحجر الذي كنت اعتبره محلا للعمل ومكانا للمبيت به.. بعد أن طردني صاحب الشقة التي كنت اقيم بها لانقطاعي عن سداد الإيجار..!! وفجأة صمت محمد بعد أن غلبته دموع اغرقت ملامحه وعاد بلهجة حزينة: ضاعت عافيتي وأحلامي ومستقبلي والمسكن الذي كان المأوي الوحيد لي.. لم يعد لي غير الأرصفة مكانا لنومي.. ورغم هذا احمد الله أنني شاركت في ازاحة الكابوس الذي جثم علي صدورنا 30 عاما كاملة.. وقد حصلت علي شهادة بإعاقتي.. وشهادة شكر وتقدير من اتحاد الاطباء العرب..