شهدت مصر منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن عدة رؤساء للجمهورية أو من حكم الرؤساء، وهم الرئيس السابق مبارك ثم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم الرئيس السابق مرسى، ثم الرئيس المؤقت عدلي منصور، ثم رئيس جديد منتخب للجمهورية ينتخب في خلال الأشهر القليلة القادمة وذلك وفقا لخارطة الطريق السياسية، ومعنى ذلك أنه في خلال فترة زمنية لا تتجاوز ثلاثين شهراً شهدت مصر أربعة رئاسات بما في ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى مهام رئيس الجمهورية خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت 25 يناير مما يعني أن المتوسط الزمني للاستمرارية في تولي منصب الرئاسة لم يتجاوز سبعة أشهر ونصف الشهر كمتوسط عام مما يعكس ارتفاع مؤشر عدم الاستقرار السياسي على مستوى رئاسة الجمهورية ويعكس درجة من عدم الاستقرار السياسي تشهدها مصر خلال الفترة المشار إليها. ويمكن القول أن رئاسة الجمهورية تنطوي على متغيرين أساسيين وهما رئيس الجمهورية كشخص،ورئاسة الجمهورية كمؤسسة ،والمطلوب في جميع الأحيان ألا يطغى رئيس الجمهورية كشخص على الرئاسة كمؤسسة ،بل المطلوب الحفاظ على مؤسسة الرئاسة باعتبارها مؤسسة تتسم بالقدرة على التكيف مع الظروف والتغيرات التي تحدث في البيئة المحيطة بها سواء كانت بيئة داخلية أو اقليمية أو دولية،وأن تتسم مؤسسة الرئاسة بالتماسك والثبات وغياب الصراعات الداخلية وأن تتصف كذلك بالاستقلالية بمعنى أن يكون قرار الرئاسة نابعا من داخلها ودون أي شبهة التأثير عليها من أي جهة داخلية أو إقليمية أو خارجية وهو ما يعبر عنه باستقلالية قرارات الرئاسة وعدم تبعيتها او ارتباطها بأي جهة أخرى من خارجها بل يكون القرار مستقلا ونابعا من داخل المؤسسة ويهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وبعيدا عن المصالح الضيقة لشخص أو حزب أو تيار سياسي ،ويرتبط بذلك أيضا تغليب الاعتبارات الموضوعية في اختيار العاملين بمؤسسة الرئاسة وهي اعتبارات الخبرة والكفاءة والقدرة على الأداء وتحقيق الأهداف المرغوب فيها وأن تكون للرئاسة كمؤسسة قدراتها الذاتية بصرف النظر عن شخص الرئيس أو انتمائه السياسي. ويتطلب الأمر أيضا أن تكون هناك سياسات طويلة الأمد أو ما يمكن أن نطلق عليها استراتيجيات تعمل مؤسسات الدولة المختلفة على تحقيقها بما في ذلك مؤسسة الرئاسة وذلك بصرف النظر عن الحزب الحاكم أو شخص الرئيس أو اتجاهه السياسي، فهذه الاستراتيجيات مرتبطة بمصالح الوطن العليا ولا تتغير بتغير أشخاص الرؤساء، وربما تطلب الأمر ايضا لتحسين أداء الرئاسة كمؤسسة وزيادة استقرارها وقدراتها على تحقيق أهدافها توافر العوامل والمتطلبات الآتية: تحديد مهام واختصاصات رئيس الجمهورية على سبيل الحصر، ويفضل تقليص هذه المهام والاختصاصات حتى لا ينتج التوسع في هذه الاختصاصات فرعونا جديدا، وحتى لا تكون سلطات واختصاصات رئيس الجمهورية المصري تفوق سلطات واختصاصات الرئيس في النظم الرئاسية ،وهي ما يمكن أن نطلق عليها اصطلاح اختصاصات فوق رئاسية، وقد يكون من المناسب أن تقتصر مدة الرئاسة المصرية على مدة واحدة فقط غير قابلة للتجديدوحتى لا يكون رئيس الجمهورية كشخص طرفا مؤثرا بقوة في المعادلة السياسية وفي السياسة الخارجية بل يكون التأثير الأكبر للمؤسسة وليس الشخص. 2- كذلك قد يكون من المفيد وضع آلية في الدستور الجديد لضمان محاسبة رئيس الجمهورية خلال توليه لمنصبه في حالة الفشل أو ارتكاب أخطاء جسيمة، وقد تصل هذه المحاسبة إلى درجة العزل وفقا لآلية معينة يقرها الدستور وحتي لا يكون الأسلوب الوحيد لمحاسبة وعزل رئيس الجمهورية هو الثورة كما حدث في 25 يناير و30 يونية على سبيل المثال وحتى لا تؤدي عملية العزل أو المحاسبة إلى تهديد الاستقرار السياسي. 3- الاستفادة من تجارب وأخطاء الماضي، وعدم تكرار هذه الأخطاء وبحيث يكون من المتفق عليه أن الشعب المصري منذ 25 يناير يختلف اختلافا جوهريا عما كان عليه من قبل وأنه أصبح أحد الأطراف الأساسية للمعادلة السياسية في مصر بل أصبح بمثابة المتغير المستقل، وأن الشعب المصري أصبح من غير الممكن خداعه أو استخدامه لتحقيق مصلحة شخصية أو حزبية أو تحقيق مصلحة تيار بعينه، كذلك لن يستطيع أي رئيس قادم السيطرة على الشعب لتحقيق مصلحة شخصية أو مصلحة تتعارض مع المصلحة القومية للبلاد، والاتفاق على هذه القواعد للممارسة السياسية يؤدي بالضرورة إلى الحفاظ على الاستقرار السياسي. 4- كما أن تحقيق الاستقرار السياسي على مستوى الرئاسة يتطلب التحديد الدقيق لعلاقة مؤسسة الرئاسة بمؤسسات الدولة الأخرى المختلفة ،وأن تكون هذه العلاقة ذات طابع مؤسسي وقانوني ولا ترتبط أو تتوقف على الأهواء الشخصية للرئيس وقد يكون من المناسب النظر في مدى إمكانية الأخذ بالنظام البرلماني في مصر وهو ذلك النظام الذي يقلص فيه سلطات واختصاصات رئيس الجمهورية وبحيث تكون مجرد سلطات شرفية أو بروتوكولية، مما يقلل من احتمالات الصراع السياسي العنيف على مقعد الرئاسة، والوصول بالبلاد إلى مرحلة عدم الاستقرار السياسي على نحو ما تكرر عدة مرات في مصر. ويمكن القول إن تحقيق الاستقرار على مستوى رئاسة الجمهورية وإضفاء الطابع المؤسسي الحقيقي على الرئاسة وتقليل صلاحيات واختصاصات رئيس الجمهورية في مصر يساعد إلى حد كبير على إضفاء الاستقرار السياسي على النظام في مصر.