في أعقاب سقوط نظام مبارك، وما تبعه من استفتاء 19 مارس على الإعلان الدستوري، الذي ظنت فيه القوى الإسلامية أنها حققت انتصارا فيما أسمته حينئذ «غزوة الصناديق»، وراقت لها دون قراءة متأنية للمشهد فكرة الأغلبية والسيطرة على الشارع، ذلك الشارع الذي يعتبرونه استجابة ل«الخطاب الديني». بعد هذا التاريخ اتخذت جماعة الإخوان المسلمين مسارا ثالثا بعيدا عن الثورة المصرية وأهدافها، وتركت ميدان التحرير لقيادة قطار الانتخابات البرلمانية أولا، وبعدها الانتخابات الرئاسية انطلاقا من حرصها على تحقيق حلم التمكين الذي يلوح في أفق القيادات منذ 80عاماً، ومع حصول الجماعة على أغلبية البرلمان أدارت ظهرها للتحرير زاعمة أن الشرعية للبرلمان، في الوقت الذي كان ينادي فيه الثوار بتسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب وقتئذ «سعد الكتاتني»، وإزاء زهو الأغلبية البرلمانية غضت الجماعة الطرف عن أحداث محمد محمود، ومجلس الوزراء وما لحقهما من دماء واشتباكات، واعتبرت أن تلك الأحداث بمثابة المؤامرة التي تستهدف إسقاط جماعة الإخوان المسلمين القادرة وفقا لرؤية قياداتها حينئذ على العبور بمصر إلى الاستقرار. حلقت جماعة الإخوان المسلمين بعيداً عن سرب الثوار قرابة عام كامل بعد سقوط نظام مبارك، وأقامت منصة رئيسية إلى جوار مدخل مسجد عمر مكرم في25يناير 2012، ممهورة بلافتة في خلفية المنصة تحمل عبارة «الاحتفال بالعيد الأول للثورة»، في الوقت الذي اعترض الثوار حينئذ على وصف الاحتفال نظير أحداث متعددة جرت على أرض الميدان، وحاولت منصة الإخوان إبراز إنجازات ما أسموه وقتئذ «برلمان الثورة» على ذات الطريقة التي يتعاملون بها الآن بعد عام من الإخفاقات من حكم الرئيس مرسي. واحتدمت الاشتباكات بين الثوار والإخوان حتى وصل المسار الثوري إلى انتخابات رئاسية شهدت حالة من السجال السياسي، وصعد في جولتها الأولى الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، ود.محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة حينئذ إلى جولة الإعادة. غيرت جماعة الإخوان المسلمين شعارها الذي جاء في عبارة «النهضة إرادة شعب»،إلى «قوتنا في وحدتنا»، وسعى قياديوها إلى تصفية الأجواء مع كافة فصائل الثورة لقطع الطريق على إعادة إنتاج نظام مبارك في شخص أحمد شفيق، مما أسفر عن اصطفاف وطني من رموز الثورة والقوى الوطنية التي اعتبرت مرسي مرشحها وفقا لتعهدات أبرمت مع الجماعة، وتعهد مرسي فيما يسمى اتفاقية «فيرمونت» بالالتزام بها فور وصوله للكرسي الرئاسي. مرت الأشهر الأولى من حكم الرئيس السابق محمد مرسي وسط أجواء ترقب لما قطعه الرئيس من وعد ال100يوم على نفسه، استناداً على طاقة جماعته التي اعتبرها قادرة على إنجاز ما يريد إنجازه. وبدأ الغضب الشعبي يتزايد تدريجيا إزاء ممارسات الرئيس الذي عزف على وتر خارج اتفاق «الاصطفاف الوطني»، واسترسل في إلقاء خطاب سياسي على درجة من السوء عبر تحميله عبارات إنشائية أكثر منها معلومات تكشف للمواطنين ما يجري على أرض الوطن في مصر الثورة. وتسبب الإعلان الدستوري الصادر عن مؤسسة الرئاسة 22-نوفمبر الماضي –في إحداث انقسام غير مسبوق في الشارع المصري، فيما حسبته بعض الدوائر السياسية من الموقعين على اتفاقية «فيرمونت» بأنه انقلاب على الاتفاقية وسير على عكس مسار الثورة، والإعلان لم تتوقف آثاره الكارثية على الشقاق بين قوى الثورة وجماعة الإخوان فحسب، وإنما امتد إلى القصر الرئاسي لينال من هيبته بانسحاب «مستشاري الرئيس «الذين لم يعرفوا شيئا عن الإعلان وتفاصيله إلا عبر وسائل الإعلام. المدهش في أجواء صدور الإعلان الدستوري هو ذهاب مؤيدي مرسي من قواعد الجماعة إلى دار القضاء العالي قبيل صدور القرار لتأييده، بما أحدث احتقانا بين فصائل الثورة من طريقة التواصل بين الرئاسة ومكتب الإرشاد، وهي الرائحة لم تذهب من قرارات الرئاسة حتى 30 يونية –بحسب مقربين من القصر الرئاسي. تعاملت جماعة الإخوان المسلمين مع الشارع الثوري والمصري بشكل عام على أنه متغير «مفقود»، يمكن استرداده كلما كانت الحاجة ملحة لذلك، لم تتعلم الجماعة ولا قياداتها درس 25يناير 2012 الذي سقطت فيه أمام شباب الثورة، وهو التاريخ الذي كانت تحمل فيه الجماعة أيضا شعار «الشرعية»،الشرعية للبرلمان حينئذ في مواجهة أغلبية الميدان الثائر حزنا على سقوط ضحايا في أحداث متكررة. ومع تجاهل الإخوان ل «الثوار» الموقعين على اتفاقية فيرمونت وباقي القوى الوطنية، اتسعت مساحة التفاهم بين الجماعة التي انعزلت تماما بحلفائها، وباقي الشعب الذي ضاق بممارسات إقصائية، وارتفع سقف مطالبه من دستور توافقي وحكومة إنقاذ وطني، إلى المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة وعزل الرئيس. من نفس الكأس الذي أذاقته الجماعة للثوار«إقصاء»،وتهميشا، تشرب الآن في اعتصامها منزوع النكهة «الثورية» أو التضامن من الحركات الشبابية التي كانت بالأمس القريب شريكة في ميدان التحرير. و«الشرعية» الثابت المشترك في المشهدين يناير 2012، ويوليو 2013، لم تفلح في تمكين «الإخوان» من الميدان أو السلطة على الترتيب، كما أنها لم تسعف الجماعة في تدارك أخطائها القاتلة فيما اعتبره مراقبون أن غرور السلطة ثابت في إخفاقات الإخوان المسلمين من البرلمان إلى الرئاسة.