لا تأتي نداءات الوفد بحتمية المصالحة الوطنية علي سبيل «التسامح»، ولا رغبة في منح فرصة أخرى أمام بعض التيارات السياسية؛ ذلك أن المصالحة الوطنية كما أنها باتت ضرورة تقتضيها المصلحة الوطنية، فهي أيضاً وثيقة الصلة بمبادئ وثوابت حزب الوفد الداعية إلي سيادة مفهوم «الأمة المصرية»، بما يعنيه من وحدة أبناء الوطن بما يسمو علي كل خلاف سياسي. غير أن الأوضاع الراهنة باتت تقتضي أن ترتكز وحدتنا الوطنية علي مصالحة تستند إلي قانون يحقق العدالة الانتقالية، وهو أمر متعارف عليه في المجتمعات التي تمر بفترات انتقالية تشهد فيها عملية تحول ديمقراطي؛ بعد معاناة جراء انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ لذلك فإن الدور الحقيقي المنوط بقانون العدالة الانتقالية هو معالجة الانتهاكات التي أهدرت حقوق الإنسان، وتعويض المتضررين، بما يسمح ببناء نظام ديمقراطي حقيقي، يتأسس علي مصالحة صادقة، ودون إقصاء لبعض أبناء الوطن. ولا يعني قانون العدالة الانتقالية، السعي نحو إجراءات استثنائية، قدر ما يهدف إلي تأكيد سيادة القانون، ودعم المبادئ الديمقراطية التي من شأنها إعادة هيبة الدولة، من خلال تطبيق عادل لقواعد المحاسبة والمساءلة، دون أن يحمل ذلك تجاوزاً، أو تعسفاً باتجاه أي فصيل في المجتمع. وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلي أن المتعارف عليه أن قوانين العدالة الانتقالية، تنظر باهتمام إلي التأثير المجتمعي لانتهاكات حقوق الإنسان، باعتبارها تشكل عوامل ضاغطة تدفع بثقافة المجتمع باتجاه يتعارض وأسس السلام الاجتماعي، الذي هو من الأهداف السامية للعملية الديمقراطية. من جهة أخرى، فإن قانون العدالة الانتقالية من شأنه الدفع باتجاه إعادة هيكلة المؤسسات التي ساهمت في انتهاكات حقوق الإنسان، أو فشلت في النهوض بدورها في وقف هذه الانتهاكات، ولا تقتصر الهيكلة هنا علي الأمور الشكلية، كتغيير القيادات، أو المسميات، بل تتجه الجهود صوب إعادة النظر في الثقافة القائمة عليها سياسات هذه المؤسسات، بجانب إزالة المعوقات أمام تفعيل دورها في دعم حقوق الإنسان، ولا شك أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يأتي في مقدمة هذه المؤسسات...وإلي حديث الغد بإذن الله. «الوفد»