البيت الأبيض يقول للمرة الثانية خلال أسبوع إنه لا يستطيع أن يحدد ما إذا كانت خطوة الجيش المصري بعزل محمد مرسي انقلاباً عسكرياً أم لا . كلام مضحك لكنّه ليس نكتة على أي حال، ولا سيما حين يقترن بالحديث عن تزويد مصر بأربع طائرات في الأسابيع المقبلة . في اليومين الأول والثاني بعد التغيير الذي حصل في مصر، سادت حالة من التخبّط في الموقف الامريكي الذي تأرجح بين العبارات العامة التي لا تقول شيئاً، بل ظهر الموقف وكأنه تائه ولا يعرف ما الذي يجري، خلافاً لموقف الرئيس الفرنسي هولاند الذي ظننته للوهلة الأولى مرشداً عاماً للإخوان المسلمين، وخلافاً لموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حذّر من اتجاه مصر إلى حرب أهلية، ربما من باب الوقاية منها وليس بالضرورة توقّعها، إذ إن بوتين من أكثر زعماء العالم كفاءة ومقدرة على تشخيص الحالة والخصوصية المصرية . وبالعودة إلى مواقف البيت الأبيض، يستطيع قارئها أن يشم فيها رائحة الترقّب الممزوج بالابتزاز المعروف عن السياسة الأمريكية . نتذكّر الموقف الهلامي الذي اتخذته واشنطن إبان انتفاضة 25 يناير، واللف حول رحيل مبارك ولكن بعد إشرافه على المرحلة الانتقالية . وعندما تنحى مبارك وتسلّم الجيش السلطة، أيّدته واشنطن . لكن الآن إذ يضع الجيش المصري “خريطة الطريق” بالتعاون مع الأزهر والكنيسة وقوى سياسية مدنية، ويسلم السلطة الانتقالية كاملة لرئيس المحكمة الدستورية الذي بادر إلى إعلان دستوري وكلف شخصاً ليبراليا لتشكيل حكومة، يخرج البيت الأبيض بمواقف يحاول الايحاء منها أنه عاجز عن التقييم . هذا موقف خبيث ويعتمد سياسة “الباب الموارب” . فحين يكرّر البيت الأبيض أنه لم يستطع أن يحدد “حتى الآن” أن ما قام به الجيش المصري انقلاب أم لا، فإنه ليس صادقاً بقدر ما يمارس الابتزاز، لاسيما إذا ربطنا هذا التشخيص المتأرجح بموضوع المساعدات العسكرية للجيش المصري . فهو كأنما يلوّح للجيش المصري بأنه قد يصف ما قام به ب”الانقلاب” إن هو حاد عن المصالح الأمريكية في ما يتعلّق أولاً ب”إسرائيل” وحصار غزة والموقف من القضايا الإقليمية وإثيوبيا والعلاقات مع روسيا وغيرها من الملفات التي تهم الإدارة الأمريكية . هذا يعني أن واشنطن تريد للجيش المصري أن يبقى مسؤولاً عن السياسات المصرية اللاحقة ولو من خلف ستار، فإذا حاد عنها ستقول له “إننا بعد التقييم خلصنا إلى أن ما قمت به انقلاب عسكري”، ويجب أن تكف يدك عن السياسة، أي أنه مطالب بالتدخّل في السياسة وفقاً لما تريد أمريكا، لمصلحة الكيان الصهيوني، وبناء على “الخريطة الامريكية” للمنطقة وعنوانها المعروف “الشرق الأوسط الجديد” . الشعب المصري وقواه الفاعلة أمام تحد كبير يتعلّق بالاستقلال الوطني الذي دمّره النظام السابق . هذا التحدي يتطلب إبقاء عيون المصريين يقظة، وأن يكون النفس الثوري ساخناً، أي أن الثورة مستمرة طالما بقي خطر السرقة قائماً، وطالما ظل خطر التدخّل الأمريكي متربّصاً بإرادة الشعب المصري العظيم . ولا شك أن الأسابيع المقبلة تشكّل اختباراً حقيقياً لمعركة الاستقلال الوطني التي إذا لم تحسم لمصلحة الإرادة الشعبية، ستبقى مصر تراوح مكانها . من المهم أن يبرز في مصر صوت يستعيد موقف عبدالناصر حين قال “المعونة الأمريكية عالجزمة” . نقلا عن صحيفة الخليج