أن يكون المرء فقيراً وزاهداً لايملك شيئا في الدنيا فذلك سهل لكن البطولة ترك الملك والقصور وطلب الفقر في سبيل الله، تتخلى عن الملك والجاه لتختار طريق العبادة والفقر فى سبيل الله. كان والده من أغنى أغنياء خراسان وأحد ملوكها، ولد (إبراهيم) بمكة حينما خرج أبوه وأمه إلى الحج عام 100 ه أو قريبًا منها، ودفن فى مدينة مدينة جبلة على الساحل السوري، وفتح عينيه على الحياة؛ ليجد الثراء يحيط به من كل جانب؛ فعاش حياة الترف والنعيم، يأكل ما يشاء من أطيب الطعام، ويركب أحسن الجياد، ويلبس أفخم الثياب. وفي يوم من الأيام خرج ابراهيم ابن ادهم راكبًا فرسه، وكلبه معه، وأخذ يبحث عن فريسة يصطادها، وكان إبراهيم يحب الصيد، وبينما هو كذلك إذ سمع نداء من خلفه يقول له: (يا إبراهيم ليس لذا خلقت، ولا بذا أمرت) فوقف ينظر يمينه وشماله، ويبحث عن مصدر هذا الصوت فلم ير أحدًا، فأوقف فرسه ثم قال: والله لا عصيت الله بعد يومي ذا ما عصمني ربي. ورجع إبراهيم بن أدهم إلى أهله، فترك حياة الترف والنعيم ورحل إلى بلاد الله الواسعة ليطلب العلم، وليعيش حياة الزهد والورع والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يكن إبراهيم متواكلاً يتفرغ للعبادة والزهد فقط ويعيش عالة على غيره، بل كان يأكل من عمل يده، ويعمل أجيرًا عند أصحاب المزارع، يحصد لهم الزروع، ويقطف لهم الثمار ويطحن الغلال، ويحمل الأحمال على كتفيه، وكان نشيطًا في عمله، يحكي عنه أنه حصد في يوم من الأيام ما يحصده عشرة رجال، وفي أثناء حصاده كان ينشد قائلا: اتَّخِذِ اللَّه صاحبًا… ودَعِ النَّاسَ جانبا. وكان إبراهيم بن أدهم كريمًا جوادًا، فالعسل والسمن غالبًا ما يكونان على مائدته يطعم من يأتيه، ومن أشهر أقواله فى الذهد والكرم: (ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة، من لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن.. إياكم أن تكون أموالكم سببًا في أن تتكبروا على فقرائكم، أو سببًا في ألا تميلوا إلى ضعفائكم، وألا تبسطوا إلى مساكينكم. وكان راضيًا بحالة الزهد القاسية، وظل يكثر من الصوم والصلاة ويعطف على الفقراء والمساكين إلى أن مات رضوان الله عليه سنة 162 ه. ولله در «أبومدين الغوث» حين قال.. مالذة العيش إلا صحبة الفقرا هم السلاطين والسادات والامرا.