رسول الله كان الزهد عرش فؤاده.. والتاج فوق جبينه العالي. وكان الزهد كنز ضلوعه.. ويداه تفتقران للمال. فكان ينام فوق الليف يوجعه بجنبيه.. فلم يبرحه للديباج محشوا بريش ناعم.. متوسدا حلما بملك الارض.. لم يعرض لانسان.. ولم يخطر علي بال.. وكان يخيط بردته .. ويخصف نعله.. ويبيت لم يشبع مرارا.. ثم يحدث ان يمر الشهر بعد الشهر.. لا نار ولا طهي ببيت المصطفي.. والاسودان: التمر والماء القراح طعامه وشرابه.. والقلب عن آلامه سالي. ويعتقب البعير ثلاثة.. منهم رسول الله.. اذا اخذوا طريقهم إلي »بدر«.. زهدت فكل زهد الزاهدين امام زهدك محض اذلال لزهو النفس.. لكن نفسك العصماء لم تخلق لاذلال. ولم يترك رسول الله يوم وفاته وهو النبي القائد القاضي زعيم الامة الناهي ولي الامر غير الدرع مرهونا.. ولم يترك سوي بعض الشعير ببيته الخالي. و»عائشة« تعالج منه حاجتها طويلا بعده.. حتي اذا كالته.. لم يصمد لمكيال. رسول الله كان الزهد موكبه.. اذا ما سار كان يمينه الفقراء فرسانا علي افراس فقرهم.. وكان يساره الضعفاء فرسانا علي افراس ضعفهم.. وكان لواؤه الخفاق معقودا لآل الزهد.. يدفعهم لغزو معاقل الخيلاء.. حتي تستفيق الارض من حال الي حال. فجاء الكبر موتورا يدافع عن مصالحه التليدة.. عن قلاع عبادة الذات الحصينة.. عن طواطمه.. فعري من عباءته القطيفة عن نفايات لصلصال. رسول الله كان الزهد عرش فؤاده.. والتاج فوق جبينه.. والصولجان بكفه النبوي.. لم يختر اذا ما خيروه زخارف الملك الذي عرضوه.. لم تستهوه تطهيمة الخيل المسومة التي في حوزة السلطان.. أو در الجواهر سارقات اللحظ فوق عمامة الوالي. رسول الله.. كان علي طريق الزهد يمشي.. والصحابة خلفه.. فإذا »بمصعب« حين يقتل.. وهو من كان انغماسا في الرفاهة.. يبسطون عليه نمرته فلم تبسط.. ولم يستر رخيص جسمه الغالي.. رسول الله.. كان الزهد عرش فؤاده.. وبلاطه الزهاد.. والدنيا لديه كمثل ظل شجيرة.. ينحو إليها فترة ويفوتها .. والمرء حتي يسترد لربه ابدا علي حل وترحال. رسول الله كان الزهد عرش فؤاده.. والتاج فوق جبينه العالي. امانك يارسول الله من لوم ومن غضب. امانك كلنا ذنب ومعصية.. نناشدك الشفاعة يارسول الله.. نرجو قلبك النبوي يجمعنا ويمنعنا ويطهرنا ويسمح للبراءة بالتنفس من جديد في غصون نفوسنا الجدبا.. فكل زهورنا ذبلت.. وكل ثمارنا تشكو من العطب. رسول الله اخطأنا.. فذد عنا بيوم حسابنا واشفع لنا انت الشفيع فدتك نفسي كلها وفدتك امي سيدي وابي. تحاصرنا خطايانا رسول الله حاصرها.. واطلقنا كما اطلقت آل قريش عند الفتح.. اطلقنا من الصلصال تمسكنا لزوجته.. لنصبح سادة الارواح احرارا كما الشهب. تحاصرنا خطايانا حصار الماء للغرقي.. حصار الداء للمرضي.. حصار النار للحطب.. تذيب شموعنا بددا.. وتتركنا ظلاما.. داجيا.. يجتر تذكاراته اسفا علي اللهب. رسول الله اخطأنا.. وكان يحثنا الاغراء ان ننسي فضائلنا.. وننسي بعض ما علمتنا يا سيدي لما طوتنا الرغبة المحمومة العمياء للذهب. خطايانا: مطايانا العجولة.. نرتقي صهواتها للشاطيء الخرب.. لنبحر فوق متن سفينة الاوهام.. تدفعنا الرياح الهوج صوب مرافيء الكذب. وننزل بلدة.. طرقاتها الاعذار.. نسلكها..نفتش في ازقتها لكل خطيئة سلفا عن السبب: سرقنا.. حيث كنا جائعين إلي طعام الاخرين وجهدهم .. لكن قتلناهم دفاعا عن موائدنا الحفية ضد غزو كتائب الغب. تصيح بنا ضحيانا.. فنتركها. ونطلق سوقنا للريح.. نقنع من جهاد النفس بالهرب. تحاصرنا خطايانا.. ترانا كيف نفلت من متاريس الحصار.. ونحن عنها بعد لم نتب. نريدك يارسول الله.. نرجو قلبك النبوي يؤوينا.. ويغمرنا كماء المزن والسحب. ليغسلنا من الاثام.. يسأل ربنا الغفران.. يسأله اقالتنا من الكرب. ويسأله ازاحتنا عن الاطماع.. يسأله اراحتنا من التعب. رسول الله.. ينتظر الاجابة شاخص النظرات.. مرتعش المفاصل عصرنا المتوتر العصبي.. وينتظر الاجابة كل ما فينا من الاحباط والنصب. نريدك يارسول الله نرجو قلبك النبوي يشمل بالسكينة قلبنا المملوء بالصخب. يسامحنا.. ويسمح بالتفتح من جديد للبراعم سيدي في غصننا الخشبي. نريد العفو.. فاضت كأسنا باليأس كالحبب.. امانك يارسول الله من لوم ومن غضب. امانك كلنا ذنب ومعصية.. وحقبتنا اشر واخطر الحقب.. نعيش الجدب.. انت الغيث نطلبه من المولي.. ونمعن في سؤال الله والطلب. ونمعن في ارتكاب الذنب ايضا.. وارتباك النفس بين الفعل سرا واهتبال النصح في الخطب. رسول الله ادركنا.. فقد حرنا.. وليس لنا سواك نبي.