لاشىء سوى الصمت يصاحبك إذا أردت جوابا للسؤال الحائر حول أسباب أول فتنة مذهبية على أرض الوطن الذاهب إلى «الطائفية» بمعناها الأوسع غير مأسوف على نخبته الإسلامية والسياسية معًا. الأقباط خارج دائرة الاشتباكات، يتطور الوطن فى «طائفيته» ويتراجع سنوات فى مسيرته،هنا تنكس رايات الثورة،الثورية فى زاوية أبو مسلم إحدى قرى «مركز أبوالنمرس» –سيئة السمعة، والدماء على جدران صماء شاهدة على بلوغ ذروة التطرف فى الفعل ورد الفعل. قبيل العاشرة مساء تتناقل المواقع الإليكترونية «مقطع فيديو» لحالة تشف واضحة، جسد مهمل وأيادى تتلاقفه غير عابئة بحرمة الموت، لاسبيل إلى استغاثات وسط صيحات التكبير، يقولونها «الله أكبر» بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم بعد، القتيل «مرجع شيعى» يدعى الشيخ حسن شحاتة والجناة «أمراء انتقام»، والفاجعة تأتى فى احتضار بلد تتسع دائرة طائفيته إلى نطاق مذهبى يحسم بلغة الدم. المشهد ليس «عراقيا» جراء صراع يبلغ مداه بين السنة والشيعة على أرضية الفوضى، وليس «لبنانيا» بحكم حرب الهوية الطاحنة، وليس فى دولة احتلال تكفل «شرعية» المقاومة للمحتل، هنا مشهد مصرى يلخص فى قرية على هامش الوطن. هنا «زاوية أبومسلم» التى تبعد بضعة كيلومترات عن منطقة الهرم، وتقع فى محيط «مركز أبو النمرس»، وتشارك مثيلاتها من قرى الجيزة المنسية فى ثالوث التخلف «الفقر والجهل والمرض». يرفض سائق «توك توك» توصيلنا إلى هناك، معللا رفضه بخطورة الموقع بغض النظر عن الحادث الأخطر فى مرحلة فاصلة من عمر مصر الثورة، على اليسار من نهاية شارع الهرم تقف آخر سيارة «ميكروباص» متجهة إلى هناك، الطريق مظلم يشبه مستقبل مصر، والحادث محور حديث الركاب المنتمين للقرية، «القتل أولى به» هكذا يردد أحدهم ذو اللحية الخفيفة، مستسرسلا فى مساويء الشيخ الشيعى «حسن شحاتة» تلك التى تأتى فى إساءاته المتكررة للسيدة عائشة ووصفها بالزنا، مؤكدًا على وجود فيديوهات يتداولها أبناء القرية تثبت صحة قوله. فى مدخل القرية سيارتان أمن مركزى و»عربة شرطة» وقيادات أمنية تتراص فى شكل دائرى حول مائدة تعلوها أكواب الشاى. على امتداد البصر إذا أردت مواصلة السير، شوارع معتمة، باستثناء بضعة محلات، لا دليل إذًا يقود إلى خيط يسفر عن حقيقة، والمواجهة هى البديل الأمثل جراء تجاوز ليل القاهرة انتصافه بساعة أو يزيد. القرية تستمد اسمها من شيخ صوفى ذى مقام محمود يتوسطها يدعى «أبومسلم»، يبدو الطابع الصوفى غالبا على القرية ويظهر ببراعة فى تعامل مواطنيها مع الوافدين بكرم فياض، وابتسامة لاتغيب، وتواصل يكسر مشهد العبوس والتجهم الذى نلقاه دائما فى متابعة أحداث الفتنة. على الجدران إبان مرورك فى شوارع متعرجة تلتقيك لافتات «عقائد الشيعة تخالف دين الإسلام،لاتضع يدك فى يد من يسبون الصحابة،لامرحبا بهم فى بلدنا». وعلى اليمين كان «عم عبده أبو عمر» صاحب مطعم الحواوشى منشغلا فى عمله، المحل لاتعلوه لافتة ويخلو تماما من المقاعد،لكنه مرسى لسائقى الميكروباص العائدين من رحلات متباينة، ثمة شيء مختلف فى تلك الواقعة يتلخص فى إسهاب من تلقاه من أهلها فى سرد ما لديه. زاغ بصر «عم عبده» فى البداية إزاء تساؤل بديهى عن حقيقة ما جرى وأطراف الحادث، ثم هدأ الرجل واسترسل» أنا مش من البلد بس عايش فيها من 22سنة، وحسن شحاتة «الشيخ الشيعي» الذى لقى مصرعه تربطه علاقة بالقرية منذ أن كان عسكرى بالقوات المسلحة فى معسكر بنى يوسف «سلاح المهندسين»، وقتها كان الرجل إمام وخطيب مسجد «كوبرى الجامعة»، ومكنته فصاحته من اكتساب شعبية جارفة بين أهالى القرية، شحاتة والحديث ل«عم عبده» كان متصوفًا فى البداية يحظى بحب بالغ من المواطنين، كان الأهالى يدعونه فى كافة مناسباتهم مفتحة له الأبواب. ويستطرد الرجل «تغيرت أحوال شحاتة منذ عام 1997 وبدأ يغير منهجه الفكرى حتى ذاع «تشيعه» بين الناس، وأبعد عن مساجد القرية،لكنه ظل يحاول فى استقطاب ما يمكن استقطابه لصالح منهجه. تلك المعلومات الأولية، كانت خطوة باتجاه البحث عن حقيقة الفتنة المذهبية الحارقة، يتدخل أحد الشباب –طلب عدم ذكر اسمه قائلا»الشيخ حسن شحاتة زار القرية فى ال3شهور الأخيرة 7 مرات، نشبت خلالها مشادات بينه وبين السلفيين وانتهت إلى وصفه ب«الكفر»، تزامنا مع زياراته انتشرت «فيديوهات» تكفير الصحابة وسب السيدة عائشة ب«الزنا»، ثم بذرة الكراهية ل«الشيعة» جاءت فى مقاطع «زنا المحارم»، و«زواج المتعة»، وتداول الأهالى قصة طلاق زوجة أحد «الشيعة» بعد محاولة اعتداء جنسى من شقيق زوجها بمباركة أبيه ممهورة بعبارة «أنت للبيت كله». والمد الشيعى فى القرية ذات ال«15عائلة» وفقا للشاب –يأتى فى ما يقرب من 180 شخصا، المعروف منهم نحو «15»، لافتا إلى أن هؤلاء يدعون الشباب إلى مذهبهم ويستقطبون الأطفال عبر «مكتب تحفيظ قرآن» لشيخ يدعى عمران «أحد ضحايا الحادث». إلى داخل القرية حيث تفاصيل الواقعة، كان بضعة شباب على مقربة من موقع الحادث يفترشون «طريقا» أمام منزل أحدهم،دون مقدمات شارحة شرعت فى التقصى عن تفاصيل الحادث. اسمى «عادل مبروك على»-وياريت تكتبنى «عدو مرسى»-كانت تلك العبارة التعريفية مفتتحا ل«شاهد» على تفاصيل الحادث من بدايته،متبوعة بتفاصيل جاءت على النحو التالى» الموضوع إن الإخوان والسلفيين كانوا بيهيجوا، والعيال بتوع البرشام «بتهيج» ومعاهم سلاح أبيض وشوم. يقول «عادل» معرجا على التفاصيل بعبارات خادمة «من 2008 كانت الناس دى «الشيعة» فى المعتقلات، وكانت الأوضاع هادئة تماما، وبعد الثورة كل طائفة اجتمعت بمؤيديها، وكان السلفيون يقودون مسيرة منذ شهر ونصف تندد بالفكر الشيعى وتصف «الشيعة بالكفار»، بعدها انتشر «مقطع فيديو» لهذا الشيخ ذى النصيب الأوفر من الكراهية، يسب فيه السيدة عائشة، ومقطع مماثل يتواجد به مريدوه من أهالى القرية من بينهم شيخان أزهريان، أحدهما يدعى «الشيخ شعبان» وكان يعمل إمام مسجد «أبو مسلم» وتمت إقالته بعد ظهور تشيعه فى 2009، والآخر هو الشيخ «عمران أبو مشرى» محفظ قرآن، وقوبل تشيعه بسحب كافة الأطفال من مكتبه حرصا عليهم بعد انتشار دعوات إباحة زنا المحارم. أول أمس علم الأهالى بقدوم الشيخ حسن شحاتة ومعه 4 نساء و7 أشخاص لمنزل «شحاتة عمر العريان»، وانتشر خبر قدومه انتشارًا واسعًا، توجه الأهالى إلى هناك وحوصر المنزل من الحادية عشرة صباحا حتى السادسة مساء، ليسفر حصار ما يقرب من 7 ساعات عن مقتله وابن أخيه وإصابة 10 أفراد من أبناء القرية «الشيعة». يتدخل أحد الشباب –بتفاصيل أكثر ثراء-مشترطا عدم ذكر اسمه-نظرا لحساسية الوضع العائلى، يقول الشاب «منذ الحادية عشرة صباحا بدأ توافد الأهالى حتى أغلق شارع «الحطش»، والشارع يبلغ عرضه ما يقرب من 2 متر، وطالب الأهالى حسن شحاتة بالنزول دون جدوى، واستمر التوافد الشعبى تزامنًا مع التواجد الأمنى منزوع الأثر، والبالغ ما يقرب من 10 سيارات أمن مركزى. تطور الأمر –وفقا لرواية الشاب- بعد تصاعد الهتافات التى جاءت فى عبارة «الله أكبر»، وصعد الشباب إلى أعلى المنزل، فى أعقاب تهديدهم ب«اسطوانة غاز صغيرة الحجم»، وشرعوا فى رشق الباب بالحجارة،بينما ذهب فريقٌ آخر إلى خرق «السقف» من أعلى المنزل وإلقاء زجاجات المولوتوف الحارقة على «الشيخ حسن شحاتة» ورفاقه، حينئذ كانت محاولات كبار العائلات فى نزع فتيل الأزمة مستسلمة لفشلها. إزاء الرشق بالمولوتوف ألقى «شحات عمر العريان» صاحب المنزل «مياه ساخنة» على المتظاهرين، لكن حرائق المولوتوف كانت سريعة الأثر فى هرولة «الوفد الشيعى» إلى الطابق الأرضى ووضع حواجز خلف الباب الحديدى الذى فتح بقوة الدفع. قرابة الخامسة والنصف انطلقت الزغاريد وهتافات «التكبير» بعد النيل من «الشيخ حسن شحاتة ورفاقه»، وكانت آخر عبارة نطق بها المرجع الشيعى «منكم لله، أنتم فهمتونا غلط». لم تفلح استغاثات الشيخ ورفاقه بحسب الرواية- فى إدراك النجاة، الاحتقان الممهور بالانتقام بلغ ذروته، وسحل «شحاتة» وابن أخيه حتى القتل ثم سحبا على بعد 500 متر من شارع «الحطش» وتم تسليمهما إلى جنود الأمن المركزى. ضمن روايات شهود العيان –إبان التقصى جاءت شهادة شاب لم يبلغ العشرين كان ضمن المتواجدين أعلى المنزل فى قوله «إن الشيخ حسن شحاتة شوهد قبيل البدء فى خرق السقف، يتحدث هاتفيا وهو مستلق على ظهره»، وأن أحد الشيعة تمكن من إصابة أحد المعتدين على السطح بسلاح أبيض. يعود الحديث مرة أخرى ل«عادل محمد علي»، ذاكرًا أسماء الشخصيات الشيعية التى كانت متواجدة فى احتفالية «حسينية» للسيدة عائشة بحسب رواية البعض، أو الاحتفال بمولد الإمام المهدى وفقا لرواية أخرى،تلك الأسماء اللاحقة تكشف عائلات التمركز الشيعى وتأتى بحسب عادل- فى «الشيخ شعبان أبومشرى وشقيقه «منجي»، والشيخ رضوان ونجله «ماهر»، وعبدالرؤوف الجبرى، وأحمد الحجار، وشحات على عمر العريان صاحب المنزل، إلى جانب أربع سيدات فررن هاربات من سطح مجاور، وانتهاء بالشيخ حسن شحاتة وابن شقيقه». أبناء القرية مصابون،وموت أحدهم ينذر بكارثة أهلية، والقتلى اثنان فقط هما الشيخ «حسن وابن أخيه»، والثورة وفقًا للشباب منحت فرصة الانطلاق ل«الشيعة والإخوان فقط»، لتشهد البلاد موجة أشد من الصراع الطائفى. فى قرية «زاوية سالم» يخشى الأهالى من انتقام شيعى ربما يبرز فى تفجير مسجد، أو ضربات موجعة للسلفيين والإخوان باعتبارهما محركًا رئيسيا للفتنة، تلك التخوفات يرد عليها الناشط الشيعى محمود حامد قائلا: «نحن أقلية وسط أغلبية سنية، ولن نلجأ للعنف،لكن ما جرى لا يقره دين». وصف حامد، الشيخ حسن شحاتة بأنه شخص تربطه علاقات وطيدة بأتباع المنهج الشيعى فى إيران، لكنه ليس جاسوسًا أو عميلا – على حد تعبيره. وتلخص مطلب الناشط الشيعى الرافض لمنهج شحاتة فى سب الصحابة وزوجات النبى–فى إلقاء القبض على الجناة وتقديمهم لمحاكمة عاجلة قبل انفجار الأوضاع، محملا الرئيس محمد مرسى مسئولية الحادث. فى الشارع الذى لم يبرح انشغاله بأعمال التجارة منذ فجر أمس الإثنين، لاشيء سوى عبارات الترقب لما هو قادم، وإلقاء اللائمة على الأمن وقيادات الإخوان المسلمين. التقينا عبدالحليم عبد الباقى مسئول شعبة الإخوان المسلمين فى التاسعة صباحا، بدت زوجته قلقة إبان سؤالنا عنه، وطرحنا عليه تساؤلا مباشرا حول تحمل جماعته والجهة الأمنية مسئولية ما جرى فعقب قائلا» حاولنا تهدئة الشباب ولم يستجب أحد،وتواصلنا مع القيادات الأمنية فرد أحد الضباط نحن بين خيارين إما أن يلقى القبض على الشيعة ويحدث تجمهر أثناء خروجنا،وعندئذ لن نستطيع توجيه رصاصة تجاه مواطن يقول «لا إله إلا الله»، أو ننتظر تهدئة الأمور من قبل القيادات الشعبية، لكن ثورة الشباب كانت بعيدة تماما عن السيطرة. دقق بصرك فى مشهد مليونية «لا للعنف»، وأرجع البصر كرتين إلى لقاء الرئيس باستاد القاهرة، ينقلب إليك البصر خاسئا جراء مستنقع الطائفية الذى سقط فيه مصر، وعندئذ ستدرك قيمة عبارة قالها أحد شباب القرية» احنا صحيح ممكن نكون فى بلدنا مشوفناش حاجة وحشة من الإخوان، لكن تقدر تقولى إيه طبيعة سياستهم..!!!