أكد الدكتور عبد الحليم منصور ، رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون – جامعة الازهر فرع الدقهلية ، أن دعوات الجهاد إلى سورية لا تنطبق عليها قواعد وأحكام الجهاد بشكل كاف ، كما أنها دعوات انتقائية أيضا ، فلم نجد مثلا من يدعو للجهاد لتحرير فلسطين.. وكذا تحرير بيت المقدس ، لاسيما وأننا إذا طبقنا ضابط الجهاد ، لعلمنا أنه فرض عين على جموع المسلمين ، حكاما ومحكومين ، العمل على تحرير فلسطين وبيت المقدس ، وتخليصه من أيدي اليهود . وأشار " منصور " إلى أن هناك فيما يبدو له تناقض غريب ففي الوقت الذي يجب علينا التدخل لإيقاف نزيف الدماء بين المسلمين ، ندعو إلى الجهاد لنصرة طرف على حساب طرف ، السنة يريدون نصر حلفائهم ، وكذا الشيعة ، وفي الوقت الذي يجب أن تتفق الدعوات على تحرير بيت المقدس يصمت الجميع ، والكلام يكون على استحياء ، ومفردات اللغة المستخدمة أقل حدة من سابقتها . وقال رئيس الفقه المقارن ، أنه من المعلوم في الفقه الإسلامي أن الجهاد له حالان : الأول : يكون الجهاد ببلاد غير المسلمين ، ففي هذه الحالة يكون الجهاد فرض كفاية ، ولا يجب إلا على المسلم البالغ العاقل المستطيع القادر على القتال ، أما من كانوا بخلاف ذلك فلا يجب عليها الجهاد ، وإن ساغ لبعضهم ذلك ، لا على سبيل الحتم والوجوب ، ولكن على سبيل الندب والاستحباب . الحال الثاني : أن يكون الكفار ببلاد المسلمين ، وفي هذه الحالة يجب الجهاد على جميع فئات المسلمين ، دون اشتراط شروط معينة - كما هو الشأن في الحال الأولى - فيجب على الصغير والكبير ، الرجل والمرأة ، المريض والصحيح ، سواء أكان بالمال أم بالنفس ، أم بهما معا . وبتطبيق هذه الأمر على حالة سوريا ، نجد أن القتال فيها بين المسلمين سنة وشيعة ، بين شركاء الوطن ، في أفراحه وأتراحه ، وكل يعمل سيفه في الآخر بغية القضاء عليه ، واستئصال شأفته ليكون هو البديل الوحيد مكانه . ويتساءل " منصور " : هل يجوز والحالة كذلك الدعوة إلى الجهاد في سورية لمصلحة فصيل على حساب فصيل ، فمثلا بعض المسلمين السنة يدعون للجهاد في سورية ضد الشيعة ، وبعض فئات الشيعة في إيران ، وفي لبنان كحزب الله ، يدعو لمناصرة الشيعة ضد السنة ؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو من التحزب ، والعنصرية ، بين الطوائف والمذاهب الإسلامية ، فإنني أدعو كل القوى الإسلامية في العالم العربي ، إلى تطبيق تعاليم الإسلام في هذه الحالة لاسيما قول الله تعالى :" وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " (10) وأوضح " منصور " أن الواجب على المسلمين في هذه الحالة هو التدخل الفوري لإيقاف نزيف الدماء بين المسلمين وإن اختلفت مذاهبهم ، وكذا العمل على إيجاد آلية يتفق عليها الجميع للخروج من هذا المأزق ، كالدعوة مثلا إلى إجراء انتخابات رئاسية ، وبرلمانية مبكرة تحت سمع وبصر المجتمع الدولي ، والمساهمة في إيجاد آلية للحكم في سوريا تسمح بتداول السلطة بشكل سلمي . واجب الحاكم والرؤساء القيام بدورهم المنوط بهم على الوجه الأكمل هو ما يجب أن يكون ، وأن ينادي به الشيوخ والعلماء ، بدلا من الدعوات الفردية التي تنادي بالجهاد أشخاصا لا علم لهم بالحرب ، ولا علم لهم بحمل السلاح ، ولا علم لهم بخلفية المنطقة التي يذهبون للجهاد فيها ، فإذا ما عبروا الحدود ربما قتلوا وسالت دماؤهم ، دون أن يستفيد الإسلام من سعيهم للجهاد على النحو السابق . وأكد " منصور " أن هذه الدعوات هي دعوات نظرية بحته ، لن تحقق مردودا إيجابيا على أرض الواقع ، والأفضل هو حث الحكام والمجتمع الدولى على التدخل الفوري لإيقاف نزيف الدماء ، على الأرض بين جموع المسلمين ، حتى وإن كان بينهم خلاف في المذهب . ودعا " منصور " كل المسلمين في شتى بقاع الأرض على اختلاف مذاهبهم إلى التوحد تحت راية الإسلام ، وأن نعرف أن لنا عدوا واحدا ، هم اليهود ، المحتلون لأراضي المسلمين ، المحتلون لبيت المقدس ، أولى القبلتين ، وثالث الحرمين ، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم .