نجحت «بريطانيا» في احتلال قمة السلم الاستعماري العالمي والاحتفاظ لمائتي عام بصدارته قبل أن ترثها الولاياتالمتحدةالأمريكية مع انتصاف القرن العشرين. حيث استخدم الاستعمار البريطاني أسلوبه السياسي السام المعروف باسم «فرق تسد» الذي انتقل بدوره إلي حوذة الوريث الأمريكي مع أدواته التنفيذية، وعلي رأسها الدكتور «برنارد لويس» المولود في لندن عام 1916 ورئيس قسم الشرقين الأوسط والأدني في المخابرات البريطانية لعدة عقود زمنية، قبل حصوله عام 1982 علي الجنسية الأمريكية مع وظيفة استشارية رفيعة في دولته الجديدة تقديراً لمشروعه الشيطاني الخاص بتفكيك الدول العربية والإسلامية ومن بينها مصر، وهو المشروع الذي كانت مجلة وزارة الدفاع الأمريكية قد نشرته عام 1980 لجمع المزيد من الأفكار بشأنه تمهيداً لإقراره في إحدي جلسات الكونجرس السرية عام 1983، باعتباره استراتيجية قابلة للتنفيذ المستقبلي في الشرقين الأوسط والأدني من أجل تحقيق مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها الأطلسيين والإسرائيليين، ويقوم مشروع «لويس» علي أساس فكرة شيطانية مفادها أن المعسكر الاستعماري العالمي الذي يقوده حلف الأطلسي تحت الرئاسة الأمريكية له مصالح تقع في مرمي أخطار محتملة لإرهاب عربي وإسلامي وشيك، مما يستوجب اتخاذ الإجراءات الدفاعية الاستباقية اللازمة لحماية تلك المصالح، عبر تفكيك الوحدة البنائية لكل الدول العربية والإسلامية، لاسيما الكبري منها كمصر في المستقبل القريب إلي مجموعة من الكيانات الجغرافية المجتزأة علي أسس عرقية أو عشائرية أو دينية أو طائفية أو مذهبية، مع دفع تلك الكيانات لعدة حروب بينية وصولاً إلي التدمير الشامل لبعضها أو علي الأقل تشتيت أولوياتها وصرف اهتماماتها بعيداً عن مصالح المعسكر الاستعماري العالمي، وبموجب المشروع الأصلي ل «برنارد لويس» فإن مصر يجري تقسيمها إلي أربع دويلات، إحداها «بدوية» عاصمتها «العريش» وتستحوذ علي كل شبه جزيرة سيناء حتي الضفة الشرقية لقناة السويس.. والدويلة الثانية «قبطية» عاصمتها «الإسكندرية» وتستحوذ علي الجزء الشمالي الغربي لمصر المتاخم للبحر المتوسط والحدود الليبية، الذي يمتد جنوباً حتي خط عرض 26 وشرقاً حتي خط طول 30.. أما الدويلة الثالثة فهي «نوبية» عاصمتها «أسوان» وتستحوذ علي الجزء الجنوبي لمصر المتاخم للحدود السودانية من أقصي شرقه إلي أقصي غربه لينتهي شمالاً عند خط عرض 26.. ويتبقي للدويلة الرابعة والأخيرة ذات الهوية العربية الإسلامية إقليم جغرافي ضيق يقل عن ربع مساحة مصر الحالية ويضم ثلاثة أرباع سكان مصر الحاليين، حيث تستحوذ فقط علي الجزء الذي يحده البحر المتوسط شمالاً والبحر الأحمر شرقاً وخط عرض 26 جنوباً، وخط طول 30 غرباً، مع احتفاظها باسم «مصر» وعاصمتها «القاهرة». وتبدو فداحة الكوارث المخبأة في طيات مشروع «لويس» الشيطاني بالنظر إلي أن الأرض الطيبة لمصرنا الحبيبة تمتد حالياً من خط 22 إلي خط 32 عرضاً، ومن خط 25 إلي خط 35 طولاً، ورغم ذلك فإن الكونجرس الأمريكي لم يقر مشروع «برنارد لويس» عام 1983، إلا بعد تعديله بابتكارات أكثر شيطانية أجرتها الإدارة الأمريكية عليه لضمان استمرار التفوق الإقليمي لحليفتها «إسرائيل» علي حساب المزيد من الأراضي والسيادة المصرية، حيث تم توسيع حدود الدويلة السيناوية المقترحة وصولاً إلي الضفة الغربية لقناة السويس وتغيير عاصمتها لتصبح مدينة «السويس» مع النص علي ضرورة أن تكون هذه الدويلة تحديداً «صديقة مميزة» لإسرائيل.. ونظراً لأن السياسة لم تعد مجرد فن نخبوي بل أصبحت علماً يعتمد علي القواعد والمعادلات المعيارية والاحتمالية القابلة للفحص والتدقيق والمتابعة، فقد أدرك المراقبون الوطنيون بوضوح أن الإجراءات الواقعية والخطوات التنفيذية التي تتخذها الإدارة المصرية تجاه قناة السويس ومدن القنال وسيناء منذ عام 2011 حتي الآن، تشكل المقدمات الميدانية الضرورية للوصول إلي نتيجة واحدة محددة تتمثل في انفصال الدويلة السيناوية تمهيداً لوقوع مصر كلها في هاوية التفكيك الرباعي المقترح ضمن مشروع «برنارد لويس» الشيطاني، حيث تصطف الدعوة المشبوهة إلي الإدارة الذاتية لإقليم قناة السويس بحجة تنميته، مع الوقيعة الدموية المدبرة بين أهالينا في «القاهرة» وأهالينا في مدن القنال عبر مجزرة ستاد «بورسعيد» وتوابعها الأليمة، إلي جانب التعذيب المنهجي المتعمد لأهالينا في سيناء عبر مواصلة ثنائية الإفراط في المظالم والتفريط في توفير الأمان بتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تصطف علي جانبي الطريق الشيطاني الهابط إلي الدرك الأسفل بتفكيك الوطن، كاشفة بذلك عن حقيقة أن التبعية لمصالح حلف الأطلسي التي كانت الاختيار المفضل لرموز جمهورية الخوف الأولي في العهود الثلاثة «الناصري والساداتي والمباركي»، مازالت هي الاختيار المفضل لرموز جمهورية الخوف الثانية في العهدين «العسكري والإخواني»، رغم توافر الفرص والإمكانات للدفاع عن وحدة وأرض الوطن والحفاظ علي سيادته واستقلاله واحتضان كل أبنائه باختلاف أعراقهم وأديانهم وأفكارهم، كاختيار متاح لمن يرغب في التطهر وتحاشي مزبلة التاريخ!