نواصل الهروب من مشاكلنا الحالية، بعد أن باتت بلا حل قريب، فندخل في غياهب التاريخ.. حتي وإن كان ناصعاً ومن أبرزه ظهور ديانة التوحيد هنا في مصر علي يد الملك اخناتون الذي أحدث انقلاباً في تاريخ مصر.. ولكن يبدو أن كهنة آمون فعلوا المستحيل لاغتيال هذا الملك العظيم حياً وميتاً، فهم الذين دمروا كل ما فعل وأزالوا كل آثاره.. ومازالوا حتي الآن!! يواصلون مخططهم لطمس تاريخ هذا الفرعون الذي كان أول من طالب بعبادة رب واحد.. عبارة التوحيد الإلهي.. فهل ما يجري الآن طمس لذلك واستمرار لمخططهم حتي الآن للقضاء علي سيرته.. ايه الحكاية؟! اخناتون - وكان لقبه قبل ذلك امنحتب الرابع - كان مشاركاً لوالده في الحكم.. ثم عندما تولي حكم مصر عام 1367 ق.م واستمر حكمه حتي عام 1350 ق.م.. أي حكم مصر لمدة 17 عاماً.. واستطاع أن يحدث انقلاباً عظيماً في نظام الحكم.. وفي فلسفة الحكم وثقافة الشعب.. لقد رأي مصر تدين بعبادة عدد من الآلهة ولكن كان أبرزها الإله آمون ولكن الله هداه إلي الدعوة لعبادة إله واحد.. وإن كانت الشمس هي وسيلة.. ومضي يدعو إلي عبادة الإله الواحد.. ودعا إلي التخلي عن ابن الدولة المرتبط بالإله آمون، ولما وجد مقاومة من كهنة آمون ترك لهم طيبة «الأقصر» وبني عاصمة جديدة لمصر.. هي أخيت آتون أو اخيتاتون، علي الجانب الشرقي للنيل كعادة كل المصريين في أن يقيموا مدن الحياة شرق النيل أما مدن الموتي حيث المقابر، فهي دائماً، غرب النيل.. وهذه تحتاج إلي مقال خاص. المهم أن اخناتون كان قد تزوج من نفرتيتي التي شاركته في الإيمان بهذا الإله الواحد وفي إقامة الصلوات والطقوس الدينية الخاصة بعبادة هذا الإله.. الذي لا شريك له.. وأطلق الملك علي عاصمته الجديدة اخيتاتون ومعناها أفق آتون، وزينها وزين جدرانها بالنعوش التي تعبر عن الأساليب الجديدة في الفن، وعن المعتقدات الجديدة. هذه المدينة تبعد الآن حوالي 60 كم جنوب مدينة المنيا الحالية، وأطلق المؤرخون علي المدينة اسم «تل العمارنة» بل وسميت فترة حكم اخناتون باسم «ثورة العمارنة». ولكن بمجرد موت اخناتون وتولي الحكم بعده توت عنخ آتون الذي كان قد تزوج من احدي بنات اخناتون الست سرعان ما خضع لجبروت رجال الدين، كهنة آمون القدامي، فغير اسمه إلي توت عنخ آمون وسكت عن جرائم رجال الدين هؤلاء الذين أخذوا يمحون ويمسحون كل آثار اخناتون.. بل وحولوا اخيتاتون إلي خرائب.. هذه الخرائب - هي الآن - قرية تل بني عمران، بمركز ملوي وتحولت من مدينة عامرة بالقسم الخامس عشر بالوجه القبلي أيام اخناتون إلي تل.. العمارنة.. وكانت من توابع ناحية بني عمران ثم فصلت عام 1230 ه باسم التل بولاية الاشمونين.. ومن عام 1260 ه وهي باسمها الحالي! ومن بين خرائب تل العمارنة هذه، عثر الاثريون علي تمثال رأس نفرتيتي وهو من الحجر الجيري وهو المحفوظ الآن بمتحف برلين وكلما ذهبت إلي ألمانيا أذهب لتأدية واجب التحية لهذه الملكة العظيمة التي كانت سنداً قوياً وراء تعاليم زوجها اخناتون وساعدته في اداء الشعائر العقائدية للدين الجديد.. وهو غير التمثال غير الكامل لرأس نفرتيتي الموجود حالياً بالمتحف المصري بالقاهرة.. وجاءت محافظة المنيا -في العصر الحديث- واختارت رأس نفرتيتي لتصبح رمزاً للمحافظة.. وعندما انشئت جامعة المنيا اختارت نفس الرأس شعاراً لها.. هنا أسأل: أليس جديراً بالمحافظة - والجامعة أن يصبح شعارهما هو الاصل.. وليس الفرع، أي كان يجب أن يكون اخناتون رمزاً وليس زوجته الملكة نفرتيتي.. أم يا تري الصعايدة يفضلون الآن الحريم علي الرجال!! أم أن لعنة كهنة آمون - رجال الدين الذين ناصبوا اخناتون العداء زمان - مازالوا يناصبونه العداء بعد كل هذه الآلاف من السنين.. وأتذكر كلمات قالها لي الدكتور حسن علي استاذ الاعلام بجامعة المنيا انه اقترح - منذ سنوات - تغيير رمز الجامعة من نفرتيتي إلي اخناتون تصحيحاً لهذا الوضع.. ولكن رئيس الجامعة السابق - ومن سنوات - رفض الفكرة ولم تر النور، تري من يصحح هذا الوضع، اذ ليس شرطاً ان يكون شعار الجامعة هو نفس شعار المحافظة.. وأمامنا العديد من الأمثلة.. لقد أحدث اخناتون ثورة هائلة في الاديان.. وانقلاباً فكرياً وثقافياً هائلاً.. وكان مصلحاً دينياً وقف عبادته علي عبادة الإله الواحد فكان بحق أول من نادي بتوحيد الإله علي أرض مصر.. إله واحد لا شريك له.. وإلا انتم يعني تعشقون نفرتيتي لجمالها الذي يشد العالم كله!! ولكن ماذا عن عائلات لها تاريخ عظيم في المنيا، عائلات كان لها دورها، علي مر التاريخ الثوري مثل عائلات شعراوي والشريعي.. وصالح باشا لملوم وكان لهم دورهم بالذات في ثورة مصر الكبري عام 1919.. ثم لماذا لا نقول للناس من الذي انشأ - مثلاً - كورنيش مدينة المنيا وكان أولهم اللواء حسن حميدة ثم من اكمله بعده وهو اللواء احمد ضياء الدين.. غدا نروي الختام في مشوارنا بالمنيا..