العزب الطيب الطاهر حيثما تحركت في أرض المحروسة ترصد ملامح الأزمة أو قل الاختناق تخرج حينا منها لكنها سرعان ما تعود إلى وتيرتها التي تكاد تكون معتادة وليس لدي تفسير واضح حتى الآن للوصول إلى حالة العنف متجليا في أسوأ أشكالها عبر استخدام الرصاص الحي وهو أمر يترك آثاره على المدى البعيد على نحو يعمق الضغائن والرغبة في الثأر وثمة ملاحظات رئيسة على المشهد المصري الراهن أولها أن جميع القوى والنخب السياسية مسؤولة عن الوصول إلى هذه الحالة من العجز بيد أن إجماعا على أن جماعة الإخوان المسلمين تتحمل المسؤولية الأولى بحسبانها تتصدر السلطة السياسية سواء في مؤسسة الرئاسة أو الحكومة أو البرلمان الذي يجسده مجلس الشورى. ويبدو واضحا أن كل فصيل أو قوة سياسية يتمترس خلف مواقفه دون أن يتقدم إلى الأمام عبر تبنى رؤي تنزع إلى الوصول إلى القواسم المشتركة الوطنية وهي عديدة وأكبر من عوامل الفرقة والتنازع ولعل الجماعة وحزبها السياسي الحرية والعدالة هي المطالبة بالدرجة الأولى باتخاذ المبادرة باتجاه القوى السياسية التي يسيطر عليها شعور قوي بأن الجماعة لا ترغب سوى في الاستحواذ على مفاصل الدولة من دون مشاركة أطراف أخرى أن لم تعمل على إقصائها وإبعادها صحيح أن الجماعة تنفي بكل قوة سعيها إلى ما يطلق عليه البعض أخونة الدولة وهو ما أكده مؤخرا الدكتور سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة إلا أن الوقائع المشهودة تشير إلى أن ثمة محاولات حثيثة بل وقوية في هذا الاتجاه ومن ثم فإن قيادة الجماعة والحزب مطالبتان بتقديم البراهين العملية على عكس هذه التصورات التي تتحدث عنها مختلف القوى بما في ذلك أحزاب ومجموعات تنتمي إلى نفس تيار الإسلام السياسي وهي مقاربة أضحت مطلوبة بإلحاح قبل أن تتفاقم الأوضاع وتتصاعد التطورات على نحو يوسع تجليات الانقسام ويعمق من الخلافات ثاني هذه الملاحظات تتبدى في إصرار جماعة الإخوان المسلمون وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة على القيام ببعض الممارسات التي تضيف المزيد من التعقيد على المشهد السياسي وآخر تجليات ذلك الحرص على تنظيم ما أطلق عليه مليونية تطهير القضاء يوم الجمعة الفائت وهو ما يعكس بعضا من الارتباك في الأداء السياسي فالمشاركة في الأشكال الاحتجاجية هو من طبيعة القوى والحركات التي تنتمي إلى المعارضة وليست القابضة على مفاصل السلطة وإذا كان ثمة اعتراضات على بعض السياسات أو التشريعات فبوسع الجماعة وحزبها القيام بها عبر المؤسسات الشرعية التي تتصدرها سياسيا فالحكومة بيدها اليمنى والمجلس التشريعي بيدها اليسرى والرئاسة في قبضتها وهو ما يهيئ لها القدرة على تغيير أي مسار داخل الدولة عبر الأطر القانونية المتاحة أما اللجوء إلى التظاهر فإنه يعكس رغبة الجماعة وحزبها في ممارسة نوع من استعراض القوة فضلا عن الضغط على مؤسسات شرعية في الدولة وفي مقدمتها مؤسسة القضاء التي شعرت بأنها محاصرة من جراء تظاهرة الجمعة الفائتة بل وتعامل بطريقة تنطوي على إهانة لرجالها ورموزها بشكل غير مسبوق مما يضعها في خانة الثورة المضادة بينما في هي في حقيقة الأمر تطبق سيادة القانون وقد يتفق المرء مع أطروحات البعض حول الأحكام التي صدرت حتى الآن ضد رموز النظام السابق والتي برأت أغلبهم من تهم الفساد وقتل الثوار وأمرت بإطلاق سراحهم غير أن ذلك تم بموجبات نصوص قانونية فضلا عن قيام دوائر معينة عقب نجاح الثورة بطمس معالم الأدلة والبراهين التي كان من شأنها أن تدفع بهؤلاء الرموز إلى غياهب السجون لسنوات طويلة والسلوك الحضاري بل والأخلاقي في مواجهة ذلك ليس بمحاصرة مؤسسات السلطة القضائية وإنما من خلال توظيف الأدوات التشريعية التي تمتلكها السلطة الحاكمة لإجراء تغييرات في بنية النصوص القانونية التي وضعت في زمن مبارك تتوافق مع متطلبات الثورة وإستراتيجيتها في إعادة صياغة مسارات الوطن على أسس مغايرة تنسجم مع الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وهي أمور ما زالت غائبة أو مغيبة في أغلبها ثالث هذه الملاحظات يتجلى في الفجوة بين النخبة الحاكمة والجماهير والأخيرة انصرفت إلى تطبيق قوانينها الخاصة بعد أن غابت السلطة عن الواقع مما أفرغ الأمن من محتواه وباتت تطبقه دوائر أخرى غير رسمية والشارع باتت تحكمه قوانين غريبة تفرض الفوضى وتنأى عن القانون والنظام العام بل إن بعض مناطق وسط مدينة القاهرة التي كانت معروفة بأنها من الأجمل والأكثر انضباطا تحولت إلى حالة مذرية من هيمنة الباعة المتجولين بل وأصحاب المحلات التجارية والمقاهي الذين لم يكتفوا بالسيطرة على الأرصفة بل امتدت إلى أنهر الشوارع مما ضيق الخناق على حركة السيارات التي تتسم بالبطء فضلا عن احتراق أعصاب قائديها وراكبيها وهو ما يؤدى إلى سلسلة من الممارسات العنيفة التي تعكس سيطرة حالة الكراهية وعدم التسامح والقبول بالآخر. وفي ظل هذه المعطيات امتدت حالة الخروج عن القانون إلى الجامعات التي تفشت في بعضها أمراض النزاعات والصراعات بين طلابها مما أدى إلى إصدار قرار بإلغاء الدراسة في جامعة عريقة كجامعة عين شمس الأسبوع الفائت وهو ما ينطوي على مخاطر على العملية التعليمية في ظل شكوى من القائمين عليها بأنهم يفتقرون إلى الشعور بالأمن ولا يجدون من يحميهم من بطش الجماعات الخارجة على القانون التي تدخل إلى الحرم الجامعي دون رادع وفق ما صرح به رئيس هذه الجامعة نفسه. رابع هذه الملاحظات يكمن في استمرار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وعدم قدرة حكومة الدكتور هشام قنديل على تقديم حلول ناجعة لها مما أدى إلى تفاقمها واتساع حالة الغضب الشعبي في ظل غياب السولار والبنزين والغاز وانقطاع الكهرباء الذي بدأت ملامحه خلال الأيام الأخيرة وتسريب معلومات عن اتساع حالة انقطاعه خلال أشهر الصيف التي تقترب بقوة فضلا عن الارتفاع الذي تتسارع وتيرته في الأسعار لاسيَّما السلع الضرورية وعجز الحكومة عن توفير محددات تسيطر من خلالها على هذه الأٍسعار ضمن تبنيها لمبدأ العدالة الاجتماعية المغيب تماما عن الواقع المصري ورغم ذلك تسعى الحكومة إلى تبني سياسة الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية وفق شروط ستضيف المزيد من الأعباء على كاهل المواطن المصري البسيط مستمرة في الوقت ذاته في سياسة الجباية من البسطاء أيضا رغم وعود كثيرة بالتخفيف منها دون أن تقترب من خيار فرض الضرائب التصاعدية على الطبقات الثرية الجديدة المتمثلة في رجال الأعمال وعدد كبير منهم الآن ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمون على نحو يعيد إنتاج ثنائية السلطة والثروة وهذه المرة تحت عباءة إسلامية بعد أن كانت في أيام مبارك تحت عباءة ليبرالية بل إن ثمة رموزا تبدو في تطلعاتها وسلوكياتها أقرب إلى رجل الأعمال الشهير في زمن النظام السابق أحمد عز. إن ما تحتاجه المحروسة في المرحلة الحرجة من تاريخ ثورتها التي انبثقت في الخامس والعشرين من يناير 2011 هو اكتمال منظومة التوافق بين قواها ونخبها بعيدا عن التخندق خلف أفكار وأيدولوجيات لاتتفاعل مع حركة المواطن المصري الذي يتطلع إلى تحقيق أهداف الثورة فقط ليشعر بمردودها وثمارها على حياته اليومية وعلى استقرار الوطن ليتمكن من استعادة عافيته التي مازالت غائبة. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية