والنبوءة ليست منا ولكن من مجلة الشئون الخارجية الأمريكية، الناطق غير الرسمي بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، بتاريخ 15 نوفمبر الماضي علي لسان كاتبها «دانيال بيمان». يقول بيمان: إن هجوم إسرائيل الأخير علي غزة، الذي بدأ الأربعاء بقتل القائد العسكري لحماس أحمد الجبري، وبالغارات الجوية علي مواقع صواريخ حماس بعيدة المدي هو مغامرة قد تخسرها إسرائيل. كان الهدف إجبار حماس علي إيقاف إطلاق صواريخها علي إسرائيل من غزة وضرب المجموعات الأخري التي تفعل مثل حماس ولكن حماس لن يسهل عليها الاستسلام للضغط الإسرائيلي وسيكون بيد الأطراف الخارجية خاصة مصر إبرام صفقة لإيقاف القتال. فبعد عملية الرصاص المنصهر لإسرائيل علي غزة سنة 2008/2009 التي نتج عنها أكثر من ألف قتيل فلسطيني ودمار هائل تأرجحت العلاقة بين حماس وإسرائيل بين عداء وتعاون صامت. صحيح أن دعاية حماس ضد إسرائيل ظلت عدائية ولكن عدد الصواريخ التي أطلقت علي إسرائيل تراجع ولم تكن حماس مصدره، بل كان مصدره مجموعات أكثر تطرفا مثل الجهاد الإسلامي. فقد خافت حماس من إطلاق عدد كبير من الصواريخ حتي لا تدفع إسرائيل الي هجوم جديد علي غزة ومزيد من الدمار الهائل مما قد يؤثر علي وضع حماس في غزة سياسيا. وأحيانا حاولت حماس كبح جماح المنظمات الأخري والواقع الذي قد تنكره كل من حماس وإسرائيل هو أن مصالحهما كثيرا ما تطابقت. وكما يقول ألوف بن أحد كبار المعلقين الإسرائيليين بعد قتل الجبري: «أحمد الجبري كان مقاولا من الباطن وظيفته حماية أمن إسرائيل في غزة». ولكن طبعا كان ولاء الجبري الأول لحماس وبمرور الوقت زادت رغبة حماس في إعادة مهاجمة إسرائيل وباقتراب ذكري عملية الرصاص المنصهر زاد عدد الهجمات القادمة من غزة وتدعي إسرائيل أن أكثر من مائتي صاروخ ضربتها سنة 2010، وارتفع العدد الي أكثر من ستمائة صاروخ سنة 2011 وثمانمائة سنة 2012 قبل بدء الهجوم الإسرائيلي، ومعظم هذه الهجمات كانت من مجموعات فلسطينية أخري غير خماس، ولكن يبدو مؤخرا أن حماس أخذت الصدارة في العنف ضد إسرائيل والسماح علنا للتنظيمات الأخري بالاشتراك في ضرب إسرائيل. وفي هذا الأسبوع جعلت هذه الهجمات الحياة الطبيعية مستحيلة لأكثر من مليون إسرائيلي، كما أعلن رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو يوم الخميس، ولذلك قام مع حكومته بضرب حماس في محاولة لإعادة الوضع كما كان عليه بعد عملية الرصاص المنصهر. أي عودة حماس لضبط تصرفاتها وتصرفات باقي المنظمات في قطاع غزة، وحتي الآن بلغت حصيلة عملية «عامود الدفاع» كما تسميها إسرائيل ثمانية عشر قتيلا فلسطينيا نصفهم مدنيون وبلغ عدد قتلي إسرائيل ثلاثة. لم ترد إسرائيل علي الهجمات الفردية وكان ممكنا نظريا ألا ترد، ولكن الزيادة المتصاعدة في عدد الصواريخ التي ضربت إسرائيل في السنوات الأخيرة أصبحت غير محتمل سياسيا السكوت عنها من جانب حكومة نتنياهو، فاقتراب الانتخابات الإسرائيلية في يناير المقبل - قبل كتابة المقال - أصبحت حكومته معها تبدو عاجزة عن القيام بواجبها الأول وهو حماية الإسرائيليين ضد العنف، بالإضافة لذلك فإن المواطن الإسرائيلي لا يعنيه إن كان مصدر الصواريخ حماس أو غيرها من المنظمات وبعبارة أخري فقد بدا الوقت حاسما إما بسحق حماس أو سقوط حكومة نتنياهو. وبهذا الهجوم الأخير لجأت إسرائيل لسياستها الدائمة، وهي تحميل حماس أو أي حكومة أمر واقع فلسطينية مسئولية وجود تنظيمات جهادية في منطقة سيطرتها وقد نجحت هذه السياسة الإسرائيلية أحيانا كما حدث في الأردن سنة 1970، فقد ضغطت إسرائيل وقتها علي الأردن للقيام بحملة دموية ضد مواطنين فلسطينيين وسحقهم. ولكن في لبنان بعد ذلك حاولت إسرائيل نفس الشىء ولكن النتائج كانت مأساوية. فقد كانت حكومة لبنان أضعف من سحق الفلسطينيين وانزلق لبنان الي الفوضي، وفي سنة 2006 أدت نفس السياسة الإسرائيلية الي الحرب ضد حزب الله ورغم أن الحرب اعتبرت في أولها نصرا لحزب الله فإن الإسرائيليين يعتبرونها نصرا لهم. كان الأداء العسكري الإسرائيلي سيئا، ولكن حزب الله حافظ علي مضض علي السلام من وقتها خوفا من أن يؤدي هجوم صواريخ آخر من لبنان علي إسرائيل الي رد إسرائيلي مدمر والواقع أن السنين الست الأخيرة كانت أهدأ السنوات علي الحدود اللبنانية الإسرائيلية خلال عدة حقب. ولكن استراتيجية إسرائيل التقليدية قد لا تنجح هذه المرة فسيصعب علي حماس التراجع ومنع الآخرين عن إطلاق الصواريخ، وقد أشعل قتل الجبري غضب جناح حماس العسكري وسيكون من يحل محله بنفس التطرف أو أكثر وسيسعي للانتقام ويحذر حكومة حماس بأنه سينضم للتنظيمات المتطرفة الأخري إذا استسلمت قيادة حماس المدنية، فحماس تحاول أن تكون حكومة وحركة مقاومة في الوقت نفسه، وقد نجحت الحكومة وعززت الأمن وقدمت الخدمات الأساسية لشعبها، ولكن علي حماس أن تحذر من فقدان مصداقيتها بين الفلسطينيين كحركة مقاومة مستعدة للحرب والموت في الصراع مع إسرائيل، وبذلك حاولت مسك العصا من النصف عن طريق السماح ببعض الهجمات بل المشاركة فيها أحيانا للحفاظ علي مصداقيتها في الشارع، مع تجنب هجوم شامل يدفع إسرائيل لتكرار عملية الرصاص المنصهر. ويعقل الربيع العربي علاقة حماس بإسرائيل خاصة مع سقوط مبارك وخطورة حكومة الإخوان المسلمين في مصر، فخلال حكم مبارك ساعدت مصر إسرائيل في احتواء حماس وإبقاء الحصار علي غزة، وكذلك مساعدة منظمة فتح عدوة حماس، وخلال المصادمات كثيرا ما ساعدت مصر إسرائيل في إجبار حماس علي التراجع ولكن الآن فهناك وحدة أيديولوجية بين حماس والإخوان الذين يحكمون مصر حاليا برئاسة مرسي، وفي الوقت نفسه يريد الإخوان إرضاء الرأي العام المصري الذي يكن كراهية شديدة لإسرائيل ويؤيد حماس بشدة. فإذا ساند مرسي إسرائيل في هذه الجولة فإن ذلك يكون انتحارا سياسيا ولذلك فلا يدهشنا سحب السفير المصري من إسرائيل. ولا تستطيع إسرائيل بدورها معاداة مصر والمخاطرة بإلغاء معاهدة كامب ديڤيد التي يبدو أنها تستطيع الصمود، وتحتاج إسرائيل لمصر لبذل ضغط علي حماس مهما كان متواضعا. ورغم أن علاقة حماس بمصر تحت حكم مرسي أدفأ جدا منها خلال حكم مبارك فلم تسارع مصر بفتح معبر رفح مع غزة كما تحتاج إسرائيل الي استمرار الضغط علي المتطرفين في سيناء الذين هاجموا إسرائيل مرارا، وأخيرا تريد إسرائيل من مصر ألا ترفع من شعبية حماس بين المصريين مما يزيد العداء لإسرائيل في المنطقة كلها ويزعزع استقرار دول مثل الأردن. وليس لدي إسرائيل خيار سهل لمزيد من الضغط علي حماس لو لم تتراجع حماس عن التصعيد العسكري سريعا، ورغم أن إسرائيل قد استدعت الاحتياطي وهددت بالغزو البري لغزة إذا لم توقف حماس صواريخها فإن إسرائيل لا تريد إعادة احتلال غزة فضلا عن أن إدارة أوباما تستبعد أن تؤيد عملية إسرائيلية واسعة حتي لا تزيد علاقات أمريكا بمصر توترا، وربما يكون أهم عامل في الوضع أن صورة إسرائيل أمام شعبها قد تكون في خطر فطريقة الغرب في الرد العسكري هو أن يكون علي قد العدوان ويعني ذلك في حالة غزة أن تحد إسرائيل من هجماتها خاصة عدم تدمير البنية التحتية بغزة وغيرها من الأهداف المدنية، ولكن الردع الذي تقوم به إسرائيل يعني أن القوة المفرطة التي تستخدمها تؤلم العدو وهو ما يريده قادة إسرائيل. في المدي القصير علي أمريكا الضغط علي مرسي للتوسط لإنهاء القتال، وهو تطور يؤدي الي مصداقية مرسي في نظر أمريكا كزعيم مسئول وفي المدي الطويل علي أمريكا والغرب تقديم تعويض حقيقي لحماس لو نبذت العنف وأصبحت حكومة طبيعية لابد من تقديم مزيد من المعونة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي الطبيعي وحركة البشر من وإلي غزة، فسيظهر هذا لقادة حماس أن الغرب سيترها تحكم غزة كما يجب أن يكون هناك عقاب رادع لو استمر إطلاق الصواريخ علي إسرائيل ولكن عملية الرصاص المنصهر قد أثبتت أن عملية عسكرية مهما كان حجم الدمار الذي تسببه لن تردع أعداء إسرائيل إلا بصورة مؤقتة، علي إسرائيل والعالم اتخاذ خطوات سياسية شجاعة لإدخال حماس في المظلة الدولية وإلا ستكون هناك حرب أخري مستقبلا. وإلي هنا ينتهي عرض «بيمان» لما يجري ورأيه أن إسرائيل لن تكسب هذه الحرب كما تريد، والذي جرت بعده أحداث عديدة مختلفة. يبقي لنا أن نذكر أن ما يدور في الخفاء وفي ضوء المخطط الاستعماري الأمريكي بحل الصراع العربي - الإسرائيلي عن طريق ضم جزء من سيناء لقطاع عزة هو أمر يدعو للقلق الشديد جدا، خاصة في ضوء العمليات الإرهابية التي يمولها أعداء الخارج والداخل في سيناء، ويزيد من فزعنا أن نقرأ مثلا في أهرام 20 نوفمبر تصريحا لأحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية بأن أي تنازل عن أرض مصر يجب أن يكون باستفتاء شعبي، وأن المادة 150 من مشروع الدستور تعطي رئيس الجمهورية حق إبرام المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة أو ما يترتب عليها من تعديل أراضي الدولة شريطة موافقة البرلمان بالأغلبية، أي أن أي برلمان مستقبلا يستطيع نظريا التفريط في جزء من أرض. ونقول لكل أشباح الظلام أن أرض مصر المقدسة التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا منذ آلاف السنين لن نفرط في شبر واحد وحتي حبة رمل واحدة من رمال سيناء المقدسة لدينا، ومهما ظن البعض بسوء أو بحسن نية أن تسريب مثل هذه الأخبار يعد بالونات اختبار لقياس مدي تمسك المصريين بأرضهم المقدسة فإننا نؤكد لكل من يتصور أنه يستطيع الحصول علي قطعة مهما صغرت من أرضنا أننا لن نفرط أبدا في مصرنا المقدسة أو في أي قطعة أو حتي حبة رمل منها حتي لأقرب الأشقاء. سنظل أمناء عليها حتي نسلمها لجيل المستقبل كما تسلمناها من أسلافنا ولو اضطررنا في سبيل هذا أن نخوض أشرس الحروب حتي ولو كانت حربا أهلية لن يحصل عدو أو صديق علي أرضنا إلا بعد أن نصبح جثثا تحت الأرض, وعلي كل من يحاول التربص بمصر أن يعي تماما هذه الحقيقة ورحم الله شاعرنا العظيم الذي قال: حياتك يا مصر فوق الحياة صوتك يا مصر وحي الآله تعاليت يا مصر في موطن علي الدهر يبقي وتفني عداه نائب رئيس حزب الوفد