شريف عبدالرحمن سيف النصر عقد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية على مدار يومي 6، 7 من أبريل مؤتمر بعنوان "إدارة التحول في مصر: رؤى سياسية واقتصادية"، وكان أبرز ما شهده المؤتمر جلسته الختامية التي شهدت حوارا مفتوحا بين ممثلي القوى السياسية المختلفة في مصر. حيث طلبت رئيسة الجلسة (هبة رؤوف) من الحضور الحديث في إطار عنوان محدد وهو "نقد الذات". ومن ثم أصبح على كل متحدث، بدلاً من أن يمارس نوعا من الترويج لأفكار تياره أو التبرير لها، أن يمارس نوعا من النقد لهذه الأفكار، على نحو مثل مفاجأة للجمهور الذي كان يتابع المؤتمر، والذي لم يعتد أن يرى الرموز السياسية وهم يعترفون بأخطائهم، بل ويعتذرون إلى الناس ويطلبون منهم أن يسامحوهم عما اقترفوه بحقهم. ورغم أن البعض بدلاً من أن يمارس نقد الذات تفرغ لنقد منظومة الحكم وتحميلها مسؤولية كل ما تشهده البلاد من سلبيات، ورغم غلبة النهج التبريري على بعض الكلمات، وعلى الرغم أخيرا من أن البعض قد ذكر عيوبا هامشية، فيما غض الطرف عن عيوب هي أولى بالنقد، إلا أن المحصلة كانت إيجابية وكانت جديرة بالتوقف أمام نتائجها. ممثل التيار الليبرالي (عمرو حمزاوي) اعتبر أن خطأ النخبة الليبرالية خلال العامين الماضيين تمثل في أنها قد تخلت عن قدر كبير من اتساقها مع مبادئها، وبخاصة عندما تبنت في أوقات كثيرة الدعوة لتعطيل الممارسة الديمقراطية، مثل دعوتها لتأجيل الانتخابات إلى حين جهوزية القوى المدنية، أو دعوتها العسكر للتدخل لحماية الدولة من خطر الأسلمة. كما انتقد ممثل التيار الليبرالي أيضا ما اتسم به أداء فريقه من شعبوية، أي محاولة إحراز نقاط سياسية من خلال استثارة الجماهير، أيا كان نوع الحجج التي يستخدمها لتحقيق مثل هذه النتيجة. وطالب ممثل التيار الليبرالي بأن تتم عملية إعادة تأهيل للنخبة الحالية، تمارسها مراكز الأبحاث، ومنظمات المجتمع المدني، كما طالب أن تخصص لذلك المساحة الإعلامية المناسبة. أما التيار الإسلامي السلفي (ومثله نادر بكار) فقد اعتبر أن أبرز أخطاءه في الفترة الماضية تمثلت في أنه قد أسهم في حدوث حالة من اللبس بين مبادئ الدين وأشخاص التيار السلفي، بحيث أصبح أتباع هذا التيار واقعين تحت وهم أن أي انتقاد يوجه لمشايخهم هو انتقاد لمبادئهم، واعتبر أنه يجب أن يتم الفصل بين الأشخاص والمبادئ حتى لا ينزلق المتدينون إلى حالة من الغضب الأهوج عند توجيه أي انتقاد إلى واحد من رموزهم. كما انتقد ممثل حزب النور أداء حزبه فيما يتعلق بعملية "صناعة الصورة"، حيث فشل الحزب في أن يصنع لنفسه صورة مقبولة جماهيريا، ولم ينجح في إزالة الصور الذهنية الشائعة عنه، والتي تضعه دائما في خانة التشدد ورفض الآخر، والأسوأ أن الحزب لم ينجح في الترويج لأفكاره ومبادئه على نحو يغري من هم خارجه بالانضمام إليه، أو على الأقل منحه أصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، الأمر الذي ترك الحزب أمام معضلات كثيرة أهمها أنه لا يصوت له إلا أبناء التيار السلفي. وفي ظل احتمال حدوث انشقاقات تنظيمية (كما حدث عندما انشق حزب الوطن)، أو حتى انقسامات في الولاء، (كما حدث عندما أيد كثير من أبناء التيار المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل وخالفوا قرارات حزبهم في هذا الشأن)، يصبح من الوارد دوما أن تنكمش حظوظ الحزب على نحو قد لا يمكن علاجه. أما ممثل الإخوان المسلمين (حلمي الجزار) فقد انتقد الجماعة في أنها لم يكن لديها نوع من "بعد النظر"، واعتبر أن الجماعة قد تورطت في أكثر من تصريح لم يكن له داع، مثل إعلانها أنها لن تتقدم بمرشح رئاسي، ثم تراجعها عما ألزمت نفسها به. كما اعتبر أن الوعود الرئاسية الخاصة بمشروع "المائة يوم" كانت نابعة من قصور في رؤية الواقع، وعدم إدراك لحجم الفساد المستشرى في بنية الدولة، وانتقد القيادي الإخواني كذلك عدم إدراك الجماعة، والحزب المنبثق عنها، لمدى قوة الدولة العميقة. أما ممثل اليسار (زياد بهاء الدين)، فقد اعتبر أن نقطة الضعف التي وقع فيها حزبه تمثلت في تراجع اهتمامه بالجانب الاقتصادي الذي يمثل نقطة تميزه الحقيقية، وذلك لصالح الجانب السياسي. كما انتقد الرمز اليساري عدم الالتفات إلى أهمية إصلاح مرفق العدالة، وانشغال الجميع بالجانب السياسي وما ارتبط به من منافسات. وطالب ممثل اليسار، أن تستفيد المعارضة من أخطائها ومن أخطاء الرئاسة، وأن تمتنع عن تقديم وعود قد لا تكون قادرة على تحقيقها، وألا تحملها شهوة النقد إلى كيل الاتهامات إلى الحكم من دون أن تكون لديها بدائل حقيقية. إذن اعترف جميع من شاركوا في هذه الفعالية أن السياسة قد أسكرتهم، ولكنهم أكدوا أنه رغم هذه السكرة فإن الاستفاقة ممكنة، خاصة إذا التزمت القوى الوطنية بروح تصالحية، وأيقنت أن استمرار التناحر من شأنه أن يعرض الوطن بأكمله للغرق. صحيح أن هناك العديد من الأخطاء التي لم تجرؤ القوى المدنية على أن تعترف بها أو أن تناقش مسؤوليتها عنها، مثل المسؤولية عن العنف الدائر في الشارع، ومثل محاولة بعض رموزها استدعاء الخارج للتدخل في الشأن الداخلي. وصحيح أنه على الجانب الآخر لم يتطرق ممثل الحرية والعدالة إلى موضوع أخونة الدولة، وشبهة تقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة، وارتباط الترقي السياسي بالانتماء الأيديولوجي، كما لم يتطرق السلفيون إلى مسؤوليتهم عن الانشقاقات المتكررة في صفوف تيارهم. إلا أن هذه اللقاءات تمثل خطوة على الطريق الصحيح، وطريقة فعالة لمواجهة الأزمة التي تمر بها البلاد، وأسلوب مقنع للجماهير التي تنتظر من النخبة السياسية أن تصل بالبلاد إلى بر الأمن بأكثر مما يعنيها أن ينتصر فريق منها على الآخر. نقلا عن صحيفة الحياة