يعلم الله - وتشهد صفحات جريدة «الوفد» - أنني أنا الموقع أدناه «عباس الطرابيلي» الذي فجّر قضية حلايب وشلاتين وأبورماد عندما رأي سوء تعامل السلطات السودانية للأشقاء المصريين في هذا المثلث الخطير الذي يقع علي البحر الأحمر، شمال خط عرض 22 شمالاً.. بل تركتهم هذه السلطات لعشرات السنين دون رعاية تذكر حتي إنني كنت أبكي علي حال إخوتنا المصريين هناك. هنا فجرّت قضية هذه الأرض التي تنازل وزير داخلية مصر مصطفي فهمي باشا للسلطات السودانية المحلية عن «إدارة هذه الأرض» دون التنازل عن سيادة مصر عليها.. وكان ذلك عقب إعادة فتح السودان عام 1899 أيام الخديو عباس حلمي الثاني وترسيم خط الحدود بين مصر والسودان، واعتبر هذا الترسيم أن كل ما هو واقع تحت خط عرض 22 شمالاً هو أرض سودانية.. وما هو شمال هذا الخط أرض مصرية. ولكن - حتي يحصل أبناء قبائل البشارية والعبابدة علي الخدمات - وهم يعيشون حول هذا الخط وافق محافظ أسوان - ومن ثم وزير داخلية مصر - علي أن تتولي السلطات السودانية «إدارة» هذه الأرض.. وهكذا عرفنا أن هناك حدوداً دولية.. وهناك أيضاً حدوداً إدارية. وقمت بتسليط الأضواء علي حال أشقائنا المصريين في هذا المثلث.. وكيف أساءت السلطات السودانية التعامل معهم فتركتهم دون أي خدمات.. خصوصاً بعد أن حصل السودان علي استقلاله عام 1956. وخضت حملة شرسة استمرت عدة شهور أكشف فيها حقيقة هذه الأرض المصرية التي أغمضت مصر عيونها عنها، خصوصاً أيام عبدالناصر، وكيف قدم السودان المستقل شكوي سودانية إلي الأممالمتحدة ومجلس الأمن فيما أطلق عليه تعدي مصر علي هذه الأراضي.. وظلت هذه الشكوي قائمة منذ الخمسينيات إلي أن سحبها الرئيس جعفر نميري بعد ذلك بعدة سنين. وكشفت كل ذلك من أيام حكومة عبدالله خليل ووزير خارجيته محمد أحمد محجوب وألقيت الضوء علي حقوق مصر الدولية والتاريخية.. وظللت أكتب وأكتب ليس فقط مجرد مقالات.. بل عدة دراسات نشرت بجريدة «الوفد».. إلي أن اتصل بي مسئول كبير برئاسة الجمهورية المصرية ليزف لي خبر تقدم الجيش المصري وتوليه إعادة أراضي هذا المثلث إلي السيادة المصرية، مقدماً لي شكر رئاسة الجمهورية علي جهودي هذه التي أثمرت استعادتنا السيادة علي كامل أراضي هذا المثلث وضمه كما كان إلي مسئولية محافظة البحر الأحمر.. وبذلك بدأت مصر عملية تعويض أبناء هذا المثلث من حيث الخدمات من طرق ومدارس وعيادات ومساكن ومساجد وأسواق.. وارتفعت أصوات حكومة السودان «الإخوانية» تهدّد وتحاول إثارة العالم علي ما قامت به مصر.. ولكن - والحق يقال - علي مصر أن تتذكر جهود الرئيس حسني مبارك الذي كانت له المبادرة في استعادتنا لهذه الأرض المصرية، وظلت هذه القضية حجر عثرة أمام العلاقات المصرية - السودانية.. بل انها كانت في مقدمة جدول أعمال أي لقاء سوداني - مصري.. بل سببا في توتر العلاقات بين الخرطوموالقاهرة.. ولكن من ناحيتنا أكدت القاهرة أنها لن تتراجع عن قرارها.. ولن تتنازل عن سيادتها علي أراضي هذا المثلث.. وهنا بزغت فكرة إقامة منطقة للتكامل الاقتصادي بين البلدين حول هذا المثلث، أي يكون مركزاً للتعامل التجاري والزراعي تحت رعاية البلدين.. ولكن هذا الكلام لم يأخذ أي خطوة ايجابية نحو التنفيذ.. شأنه شأن أي مشروع أو مخطط يتحدث به مسئولو البلدين، دون تنفيذ.. وهذا ما دفع القاهرة إلي تمسكها أكثر بهذه الأرض المصرية.. وقد أرسلت عدة بعثات صحفية من «الوفد» إلي هناك كان بطلها الزميل العزيز أسامة هيكل بحكم أنه كان محرراً عسكرياً لجريدة «الوفد» لسنوات عديدة. وسقط حكم الرئيس حسني مبارك بينما استعادة حلايب وشلاتين من أفضل إنجازاته التي ربما لا يتذكرها أحد الآن. وجاء حكم الإخوان.. ليلتقي إخوان القاهرة إخوان الخرطوم، ويذهب الرئيس محمد مرسي إلي هناك عدة ساعات.. وفجأة يتصاعد كلام خطير عن أن الرئيس مرسي وعد «إخوانه» في الخرطوم بفتح ملف هذا المثلث.. هنا اعترض وأقول إن الرئيس المصري - مهما كان اسمه - لا يملك أن يتنازل عن شبر من أرض مصر.. فهكذا أقسم علي حماية أرض هذا الوطن.. لا أن يبحث «مجرد يبحث» أو يفتح ملف هذا المثلث. وسواء نفت رئاسة جمهورية مصر العربية هذا الكلام واعتبرته مجرد شائعة أو أصدر متحدث رسمي تصريحا بأن هذا المثلث أرضاً مصرية.. فإنني أعتبر إعادة فتح هذا الملف جريمة في حق الوطن.. لأن ذلك دونه إسالة الدماء.. وسوف أكون في صدارة من يحمل السلاح دفاعاً عن بقاء هذا المثلث أرضاً مصرية.. أقول ذلك رغم ما يقال عن أن «الإخوان» لا يعترفون «بحدود الدولة» ويرون أن الإسلام هو حدود الدولة الاسلامية. إياكم والعبث بأرض مصر وحدودها.. فهذا لا يملكه حتي فصيل يحكم البلاد بنسبة 51٪.. ولا حتي كان يملك 100٪ من أصوات كل المصريين.