أهمية دور الأزهر الشريف في الحياة الروحية للشعب المصري وللمسلمين عامة تكمن في وسطيته واعتداله وإمساكه بالروح المتسامحة الرحبة للإسلام، ونأيه عن التزمت والتعصب والغلواء، وهو بهذا عبر عن الروح السوية المعتدلة الجامعة بين الدين والدنيا التي عرفت عن المصريين. ومؤسسة الأزهر التي تحاشت، قدر ما استطاعت، الصدام مع السلطات في العهود المختلفة، لم تتنازل عما عرف عنها من استقلالية، وتمسك بأن تكون مواقفها وفتاواها نابعة من قناعة القائمين عليها، لا من إملاء السلطات عليها، ولهذا السبب حظيت هذه المؤسسة بما هي أهل له من تقدير وما يجدر بها من مهابة، لأنها رفضت تجييرها في السياسة وأهوائها . في ظروف الاحتقان السياسي الراهن التي تعاني منها مصر منذ أن ابتليت بحكم “الإخوان المسلمين” تواجه استقلالية الأزهر اختباراً جدياً، أمام مساعي القابضين على السلطة للنيل من هذه الاستقلالية وإحكام قبضتهم على هذه المؤسسة وقراراتها، وهذا ما عبر عنه محمد حسنين هيكل حين قال إن مؤسسة الأزهر الشريف تواجه جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارهم حزباً سياسياً له أجندته، حتى وإن انطلق من مرجعية دينية، مشيراً في حواره مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة “سي بي سي” الفضائية، إلى أن “التناقض بين مؤسسة الأزهر والإخوان ليس وليد اليوم وإنما هو منذ أوقات سابقة” . كان الأزهر قد رفض مساعي إخضاعه للقرار السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وتقديم الغطاء لمشروعهم في الهيمنة على مفاصل السلطة في مصر، ومن ذلك قراره التاريخي بسحب ممثليه من الجمعية التأسيسية اعتراضاً على تشكيلها بعيداً عن التوافق الوطني، الأمر الذى تسبب فى إحراج الإخوان المسلمين، مما عنى عملياً تحفظه على مسودة الدستور المختلف عليه، والمطعون في شرعية وضعه وإقراره . يلحظ المراقبون أن الإخوان أمام عجزهم عن مصادرة القرار المستقل للأزهر يسعون إلى سحب البساط من تحته، لتصبح مراكز الثقل للشيوخ والدعاة غير الأزهريين، بعيداً عن الوسطية المعهودة للأزهر، وبالتالي تحقيق هدفهم لا في “أخونة” الدولة وحدها عبر الإمساك بمفاصلها، وإنما أيضاً التأثير في وجهة الرأي العام في مصر بما يخدم أهداف الجماعة، خاصة بعد أن أكدت وثيقة الأزهر للحريات حرصها على أن يبقى طابع الدولة في مصر مدنياً، وهو أمر يتسق مع تقاليد الأزهر في أن يكون لمصر لكلها . نقلا عن صحيفة الخليج