من يكتب هذه السطور مواطن مصري، تربى في هذا البلد، ويتمنى أن يموت فيها، بدأ حياته في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الراحل أنور السادات، وأطال الله تعالى في عمره كي يرى في مصر رئيسا سابقا هو حسني مبارك. لم أنضم يوما إلى جماعة سياسية أو دينية، ولن يحدث ذلك مستقبلا، فأنا عضو في حزب الشعب المصري، إضافة إلى كوني أدين بالإسلام. أخشى على مصر من مستقبل مجهول، ما أراه الآن كما يراه الكثيرون أن مصر على حافة الهاوية، إما أن تنهض وتنفض عن نفسها الغبار، وإما أن يحدث ما لا يتمناه من يحبون هذا الوطن. قامت ثورة 25 يناير للقضاء على الفساد وإسقاط النظام، ونجحت في ذلك بفضل الله تعالى، فلم يكن هناك عاقل سواء كان ثائرا أو متابعا للأحداث يتوقع أن تسير الأمور إلى ما سارت إليه، ولكن الخوف كل الخوف أن نسير في طريق ينتهي إلى سقوط الدولة ووقتها ستتحول ثورة 25 يناير إلى "ثورة 25 خسائر". بعد الثورة تحول الجميع إلى الحديث عن القوائم البيضاء والقوائم السوداء، وأصبح التخوين والصوت العالي هو السائد، وركب الإعلام موجة الثورة، وأصبح الرأي الآخر إذا كان لا يتماشى مع الثوار خطيئة وخيانة لدماء الشهداء، وموالاة للنظام السابق، وثورة مضادة. كاتب هذه السطور واحد من الناس، تعاطفت مع الثورة، وأعترف أنني لم أخرج في مظاهرات ليس خوفا من الموت الذي سيأتي لا محالة في وقت لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكن خوفا من الفوضى، كنت دائما أقول أن ما حدث في المحلة يوم 6 إبريل 2009 هو النموذج الذي ستشهده مصر يوما ما، وقد حدث ذلك بالفعل وكان على نطاق أوسع مما تخيله الكثيرون، عاشت مصر في فترة ما بعد الثورة، ولا تزال تعيش في ظل غياب أمني سمح للبلطجية والقتلة بترويع الآمنين، وكان ذلك نتاجا للهجوم المنظم على أقسام الشرطة والسجون يومي 28 و29 يناير. الغياب الأمني ليس هو المصيبة الوحيدة التي تعيشها مصر، فقد دخلنا منذ فترة وقبل الثورة في نطاق الفتنة الطائفية. لست من هواة نظرية المؤامرة، ولست عضوا في فريق التحليل لما يحدث على أرض النيل، ولكني أحاول ترتيب الأحداث واستنتاج ما يمكن أن يحدث ما لم نستيقظ ونضع حدا لحرب التخوين، والتوقف عن مصطلحات الثورة المضادة واتخاذ فلول النظام السابق، الذي تقبع رموزه في طره حاليا، "شماعة" لكل مصائب البلاد. بداية الأحداث الطائفية كانت في نوفمبر الماضي، عندما شهدت منطقة العمرانية اشتباكات بين مواطنين مسيحيين والشرطة، في نزاع حول مبنى خدمي أراد المسيحيون تحويله إلى كنيسة. في مطلع العام الجديد، شهدت مصر هجوما إرهابيا غير مسبوق على كنيسة القديسين بالإسكندرية، وتبعته توترات واشتباكات في عدة مناطق بالقاهرة والمحافظات، لم تكد الجراح تلتئم حتى قتل عجوز مسيحي في قطار بالصعيد، ليعود التوتر من جديد. في تلك الأجواء المشحونة، بدأت ثورة 25 يناير، وسقط النظام، وقد كان يستحق ذلك، ولكن يبدو أن المتربصين بالمحروسة أرادوا أن تسقط الدولة هي الأخرى، ولن يتحقق ذلك طبعا إلا من خلال فتنة طائفية تحرق الأخضر واليابس، ومن هنا كانت أحداث كنيسة اطفيح ثم الاشتباكات بين مسلمين ومسيحيين في طريق الاوتوستراد، وأخيرا أحداث امبابه. كل هذا يحدث ونحن نعاني من أوضاع اقتصادية غاية في السوء، فقد الملايين وظائفهم وهربت الاستثمارات وانخفض الاحتياطي النقدي من الدولار إلى 30 مليار دولار فقط، وهذا ليس كلامي ولكنها تصريحات رئيس وزراء الثورة الدكتور عصام شرف، وهو ما يعني أنه في القريب العاجل ستكون هناك "ثورة جياع" في ظل توترات طائفية وغياب أمني. الحل السريع والفوري لتلك المصيبة التي نحن مقبلون عليها إذا استمرت الأوضاع كما هي يتمثل في كلمة واحدة "القانون". من أجل وقف الخسائر الاقتصادية طبقوا القانون وامنعوا الاعتصامات والمظاهرات التي لن تنتهي، من أجل وأد الفتنة الطائفية طبقوا القانون على الكل بدءا من شيخ الأزهر والمفتي والبابا شنودة، إلى أصغر مسلم ومسيحي في هذه البلد، من أجل مصلحة مصر أوقفوا الحرب الكلامية والحديث عن الفساد السابق والأموال التي ستهبط علينا من السماء، واتركوا الأمر للقضاء. من أجل مصر أفيقوا قبل أن تضيع مصر. [email protected]