قبل عام تقريبا.. كتبت مقالا في نفس هذا المكان وكان عنوانه «ساويرس ليه» وكان مقالي عن نجيب ساويرس بسبب الدعاوي القضائية التي تعرض لها من البعض في دعاوي للحسبة.. وكانت الدعاوي مكشوفة الغرض.. لا هدف منها سوي ترهيب ساويرس وتطفيشه من مصر.. وذلك لسببين رأيت أنه لا ثالث لهما - أولهما أنه في نظر بعض التيارات الإسلامية التي كانت تستعد للقفز علي الحكم، فلا مكان لرجال أعمال ثقيل في حجم ساويرس، خاصة وإنه قبطي.. فالأقباط في المرحلة الحالية لا مكان لهم في إدارة اقتصاد هذا الوطن، وساويرس بحجم استثماراته سواء كان نجيب أو عائلته، يمثل شوكة في حلق بعض رجال الأعمال من الإخوان.. فهم لا يريدون منافسا لهم خاصة إذا كان ذلك المنافس لا يسبح بحمدهم ولا يسعي لكسب ودهم أو شراكتهم.. أو التنازل عن بعض مشاريعه لصالحهم، فهم يرون انهم أولي بقطف ثمار هذا الوطن من غيرهم. وثاني تلك الأهداف كان بسبب مواقف نجيب ساويرس تحديدا الوطنية ضد هيمنة الإخوان المسلمين علي الأوضاع السياسية في مصر.. ولأن ساويرس اتخذ مواقف وطنية ضد أسلمة الدولة وخضوع المجلس العسكري وقتها لرغبات الإخوان السياسية في كثير من المواقف. ومن أجل هذين السببين انفتحت أبواب الجحيم ضد ساويرس لإقصائه من المشهد السياسي واتهامه بتهم طائفية تقضي علي مستقبله السياسي والاقتصادي ولربما تؤدي إلي سجنه. ولان القضاء المصري الشامح انصف نجيب ساويرس.. وأفسد التخطيط - لذلك كان لابد من البحث عن وسيلة أخري لضرب عائلة ساويرس بأكملها وإظهارها بمظهر من يتهرب من الضرائب ويتلاعب بالاقتصاد المصري. وحذرت وقتها من أن تلك الألاعيب قد تؤدي في النهاية إلي تطفيش عائلة ساويرس وسحب استثماراتهم من مصر.. وإن الخاسر الوحيد في تلك الحالة هو الاقتصاد المصري.. الذي كان يجب ان يسعي للحفاظ علي المستثمرين المصريين وليس ترهيبهم وتطفيشهم من مصر، وحدث ما توقعته بالضبط، ليس فقط في هروب الكثير من رجال الأعمال المصريين من مصر وتحويل استثماراتهم للخارج.. وحتي الاستثمارات الأجنبية فقد هربت بدورها من مصر بفضل سياسة الإخوان المسلمين.. لدرجة أصبح فيها الاقتصاد المصري علي حافة الانهيار.. وصرنا نتوسل قروضا من صندوق النقد الدولي ومن قطر وغيرها، ولدرجة جعلت وزارة المالية تقترح تأجير آثارنا لحساب قطر العظمي.. حتي نتغلب علي الأزمة الاقتصادية التي أوصلت سعر الدولار لسبعة جنيهات والنصف، ولتمتد طوابير السيارات الباحثة عن السولار لكيلو مترات.. لاننا لا نملك الدولارات التي تشتريه من الخارج! وهكذا تحولنا إلي ما يشبه الدبة التي قتلت صاحبها وساويرس هو أبلغ مثال علي ما فعلناه بأنفسنا وبأبناء هذا الوطن من الشرفاء. ونموذج تطفيش عائلة ساويرس في رأيي يجب أن يدرس في كل دول العالم.. في كيفية قيام دولة مثل مصر بهدم اقتصادها وتطفيش مستثمريها، في حين أن ساويرس لم يتخلّ عن وطنه قط.. وتحمل الكثير من أجل هذا الوطن، ولا أظن أننا نسينا يوم أن اختطف بعض مهندسي شركات ساويرس في العراق، فلم يهدأ له بال حتي تم الإفراج عن هؤلاء المهندسين مما كبد ساويرس الملايين وقتها. وأيضا عندما تفجرت أحداث مباراة مصر والجزائر التي رفع ساويرس وحده ثمنها عندما فرضت عليه الجزائر ضرائب غير حقيقية بالمليارات، ووقفت الدولة تتفرج عليه وقتها دون أن تمد له يد العون! ولا يمكن ان ننسي يوم تفجرت الثورة في مصر فكان ساويرس أول من مد يد العون للثوار في ميدان التحرير وأنفق الملايين من ماله لشراء خيام وبطاطين وطعام للمعتصمين في الميدان، وهو الأمر الذي جعله يخاطر بعداء النظام السابق الذي لم يكن قد سقط بعد، ولكن وطنية ساويرس هي التي دفعته لذلك بعيدا عن حسابات المكسب والخسارة. وهذا هو نجيب ساويرس الوطني- المصري الأصيل ابن البلد الشهم الجدع الذي ينحاز لهذا الوطن.. وسيذكر له التاريخ ذلك، مهما حاولوا إلصاق التهم به. وإذا كان البعض يظنون أنهم الرابحون في هذا الأمر بإجبار ساويرس وعائلته علي مغادرة مصر فهم واهمون.. فاستثمارات ساويرس صارت في العالم كله تحمل اسم مصر.. وللأسف فإن الخاسر الوحيد مما جري هو مصر!