طالعت تصريحات شدت انتباهى حتى أننى أعدت قراءتها كما سجلها زميلنا يوسف الغزالى على لسان المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، خلال انعقاد المؤتمر الدولى لحرية تداول المعلومات ونشرتها «الوفد» أمس الأحد، فقد أثبت الرجل أن جماعة الإخوان المسلمين مازالت تصر على عدم خضوع الجماعة شأنها شأن سائر الجمعيات لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات!، بل يذكر رئيس الجهاز أن الجماعة «لم توفق أوضاعها حتى الآن»!، وتوفيق الأوضاع مطلب ملح على الجماعة منذ قيام ثورة 25 يناير 2011، بل وتناولت امتناع الجماعة عن ذلك كتابات وحوارات صحفية عديدة، تحدث خلالها بعض أقطاب الجماعة عن «توفيق الأوضاع»قريبًا!، ودون أى تحديد واضح لمصادر تمويل الجماعة سوى أن هذه المصادر من «اسهامات أعضاء الجماعة واشتراكاتهم»!، مما يجعل هذه المعلومة غير مقنعة لأى سائل عن مصادر تمويل واضح أنه هائل «ولا يمكن الاقتناع بأنه مجرد إسهامات واشتراكات الأعضاء»!، الأمر الذى يؤدى حتى الآن إلى رواج إشاعات عند كثيرين يصرون على أنهم من العارفين بأن الجماعة تعتمد على «تمويل سرى» لا تريد الإفصاح عنه!، وتأتى تصريحات المستشار جنينة فى سياق يجعلنا نتذكر أن أغلبية نواب مجلس الشعب المنحل من حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين كانوا يطالبون بأن تخضع ميزانية الجيش المصرى ونفقات القوات المسلحة وكذا ميزانيات المشروعات التجارية والاستثمارية وإدارة الأندية التابعة للجيش لمراقبة الجهاز المركزى للقوات المسلحة، وإذا بالمستشار هشام جنينة يعلن ضمن تصريحاته التى نشرتها «الوفد» أمس عن أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع قد وافق على «خضوع أنشطة الجيش التجارية والاستثمارية وإدارات الأندية لمراقبة الجهاز»، ولكن رئيس الجهاز قد رأى أن يصارح «بأن أى شىء يتعلق بالأمن القومى وسرية المعلومات لا يجوز للجهاز الاقتراب منها، خاصة الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة»، مما لا أظن أن هذا يمكن أن يكون محل تطبيق على خضوع جماعة الإخوان المسلمين لمراقبة الجهاز!، فالجيش شىء والجماعة أى جماعة شىء آخر بالتأكيد. يلفت نظرى فى تصريحات المستشار جنينة إيضاحه ارتفاع نسبة الفساد فى مصر مما لا يمكن حصره فى رقم معين لأنه متشعب فى كل أجهزة الدولة!، وكان آخر تصريح رسمى عن الفساد فى مصر ما باح به رئيس ديوان رئيس الجمهورية المخلوع د. زكريا عزمى الذى كان نائبًا برلمانيًا فى مجلس الشعب على عهد مبارك أن قال: «الفساد فى مصر قد وصل إلى الركب»!، وكان هذا الذى صرح به زكريا عزمى فى مجلس الشعب قد أذهل الناس لمجرد صدوره من رئيس الديوان السابق وظنوا أن هذه «ذروة الفساد»!، فإذا بتصريحات المستشار جنينة تؤكد لنا أن الفساد قد أصبح لا يمكن حصره بما يعنى أنه قد تجاوز «ذروة الركب» بكثير فى أيامنا الحالية!، وقد أرجع المستشار جنينة السبب فى ذلك إلي أنه لو «كانت هناك رقابة علي المال العام لما وصل الفساد إلى هذا المستوى»!، ولاشك أن المستشار جنينة يعلم أن بلادنا لا ينقصها أجهزة لمراقبة المال العام!، بل تنتشر عندنا هذه النوعية من الأجهزة التى تتزاحم فى أعمالها للرقابة على هذا المال العام، حتى أن هناك أصواتًا قد ارتفعت تشكو من تعدد هذه الأجهزة وتنوعها بما ينظم أعمالها من القوانين!، ولكن العبرة كما يعلم المستشار جنينة ليست فى وجود الجهات التي تراقب المال العام، ولكن اعمال هذه الرقابة وتطبيق القوانين بالحزم الواجب هو ما ينقصنا بالضبط، وفى ظل «الزواج» بين المال والسياسة يمكن أن يكون هناك التعامل بمكيالين فى ضبط ورقابة المال العام!، وقد كشفت وقائع كثيرة أذيعت تفاصيلها كيف أن المال العام قد ذهب نهبًا لأيدٍ مدربة محترفة علي الاستيلاء عليه بتسهيلات من الذين يقومون على أمور تفعيل القوانين واتفاق إجراءات كثيرة معها!، وتبقى إشارة المستشار إلى «الصناديق الخاصة» التي شاع إنشاؤها لكى تكون «كنزا» لحفنة من كبار المسئولين حتى الآن!.