التأمل فى اسماء الله من اسباب زيادة الايمان وفإن المؤمن باسم الله الهادي تفيض على قلبه المعاني الإيمانية لهذا الاسم الجليل، ومنها: أن الأمر بيد الله وحده لا شريك الله؛ فكم من رجل اكتنفته الهداة يدلونه على الصراط المستقيم ويحرصون على هدايته بكل طريق، فما اهتدى!. إن المسافر في الصحراء يحتاج إلى دليل يهديه الطريق، وكل عازم على شأن جديد يحتاج إلى من يخبره بأحوال ذلك الشأن، وكذلك فكل قلب بشري في حاجة إلى من يدله على الصراط المستقيم... لكن دليل الصحراء قد يدل على الطريق لكنه لا يهدي القلوب، والمستشار في الأمور قد يشير بالصواب لكنه لا يهدي الأفئدة، والرسل -كذلك- ترشد على الله لكنها لا تهدي القلوب إليه؛ إذ أن الهداية بيد واحد أحد لا شريك له، ذلك هو الله رب العالمين، قال -تعالى-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص: 56]. وإن الإنسان أحوج إلى الهداية منه إلى الطعام والشراب والكساء، فغاية ما يحدث له إن فَقَدَ ذلك هو أن يموت فيلقى ربًا رحيمًا، أما إن فَقَدَ الهداية فإنه يخلد في نار جهنم -والعياذ بالله- وليس بعد هذا الشر شر! لذا علَّمنا الله -تعالى- أن نسأله في كل ركعة قائلين: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 6]. وإن من أسماء الله الحسنى: "الهادي"، والهادي في اللغة هو الدليل والمرشد الذي يدل على طريق الخير برفق؛ فالهداية: دلالة بلطف إلى ما يوصل إلى طريق الحق والصواب، ومعنى الهادي في حق الله -سبحانه- هو الذي يمنَّ بهدايته على من يشاء من عباده، والذي يدل خلقه على معرفة ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، والذي يرشدهم إلى ما فيه نجاتهم، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره. أيها المسلمون: وهداية الله -تعالى- لخلقه أنواع أربعة: فأما النوع الأول فهو الهداية العامة: وهي هداية الله لجميع المخلوقات إلى ما يصلح به عيشها وحياتها من طلب الأقوات وجلب المنافع واجتناب المضار... قال الله -تعالى-: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 1-3]. ومن ذلك ما ألهمه الله -تعالى- للنحل: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا) [النحل: 68-69]. وكذلك هدايته -سبحانه وتعالى- لجميع الكائنات ألا تقتحم النار لئلا تحترق، وأن تفر من السباع لئلا تفترسها، وأن تبحث عن الطعام، وأن تحتمي من الشمس والمطر... أما النوع الثاني من أنواع الهداية: فهو هداية الدلالة والبيان والإرشاد إليه -عز وجل-، وهذا النوع من الهداية قد خصَّ الله -تعالى- به المكلفين من الإنس والجن دون غيرهم، وهو وظيفة الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين، لذا قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52]... وقد قضى الله -تعالى- برحمته وفضله أنه لا يُعذِّب مكلفًا حتى ينذره ويهديه برسول من عنده، قال -عز وجل-: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء: 15]، وذلك لئلا يكون لأحد عذر يوم القيامة: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: 165]، وفي الصحيحين: "وليس أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل". النوع الثالث من أنواع الهداية: هو هداية التوفيق والإلهام فقد يبعث الله الرسل وينزل الكتب فيهدي الناس هداية دلالة وبيان، لكنهم لا يستجيبون لأنه -تعالى- لم يهدهم هداية توفيق وإلهام، وهذا ما حدث مع كثير من أقوام الرسل، قال -تعالى- عن ثمود: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) [فصلت: 17]. فلا تعارض -إذن- بين قول الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52]، وبين قوله له أخرى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص: 56]؛ فإن الأولى -المثبتة- هي هداية الدلالة، والثانية -المنفية- هي هداية التوفيق، وتلك هي الخاصة بالله -تعالى- وحده، قال -عز من قائل-: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:272]، وعن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيما روى عن الله -تبارك وتعالى-: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم" (مسلم). وهذا النوع من الهداية هو الذي حرم الله -تعالى- منه فئات من الناس حين قال: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258]، وحين قال: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 264]، وقال: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [المائدة: 108]، وكذلك: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر:3]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 28]؛ فكل هؤلاء وغيرهم قد حُرموا هداية التوفيق، على الرغم من أن الله -تعالى- وهبهم هداية الدلالة والإرشاد، والله فعال لما يريد: (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [النحل: 93]. النوع الرابع من هداية الله -تعالى- لخلقه: هو الهداية إلى الجنة أو إلى النار يوم القيامة؛ فعن الهداية إلى الجنة قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [يونس: 9]، بل إن الله -عز وجل- يُعرِّف الجنة لأهلها، قال -عز من قائل-: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد: 6].