التأمل فى كتاب الله من اسباب زيادة الايمان وقال تعالي { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } وقال علماء التفسير جاء فى القاموس : يقال : هداه هدى وهديا وهداية وهدية - بكسرهما - أرشده فتهدى واهتدى . وهداه الله الطريق دله ، والهدى بضم الهاء وفتح الدال -الرشاد . قال ابن القيم فى كتابه "بدائع الفوائد " : الهداية أربعة أنواع : أحدها : الهداية العامة المشتركة بين الخلق ، المذكورة فى قوله تعالى{ الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى } طه : 50 أى أعطى كل شىء صورته التى لا يشتبه فيها بغيره ، وأعطى كل عضو شكله وهيئته ، وأعطى كل موجود خلقه المختص به ، ثم هداه ما خلقه له من الأعمال ، قال : وللجماد أيضا هداية تليق به ، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها . وكذلك لكل عضو هداية تليق به ، فهدى الرجلين للمشى ، واللسان للكلام ، والعين لكشف المرئيات وهلم جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد ، والولد إلى التقام الثدى عند وضعه ، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو . الثانى : هداية البيان والدلالة والتعريف لنجدى الخير والشر وطريقى النجاة والهلاك ، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام ، فإنها سبب وشرط لا موجب ، ولهذا ينتفى الهدى معها، كقوله تعالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } فصلت : 17 أى بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا ، ومنها قوله تعالى { وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم } الشورى : 52 . الثالث : هداية التوفيق والإلهام ، وهى الهداية المستلزمة للاهتداء ، فلا تتخلف عنها، وهى المذكورة فى قوله تعالى{ يضل من يشاء ويهدى من يشاء } المدثر : 31 وفى قوله تعالى : { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل } النحل : 37 وفى قوله صلى الله عليه وسلم : " من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له " وفى قوله تعالى : { إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص : 56 فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان فى قوله تعالى : { وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم } الشورى : 52 . الرابع : غاية هذه الهداية، وهى الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما ، قال تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار فى جنات النعيم } يونس : 9. وقال أهل الجنة فيها { الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله } الأعراف : 43 وقال فى حق أهل النار : { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم } الصافات : 22 ، 23 انتهى ما قاله ابن القيم . والبيضاوى ذكر أن الهداية دلالة بلطف ، ولذلك تستعمل فى الخير، وقوله { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } على التهكم . ثم قال : وهداية الله تتنوع أنواعا لا يحصيها عد ، لكنها تنحصر فى أجناس مترتبة . الأول : إفاضة القوى التى بها يتمكن المؤمن من الاهتداء إلى مصالحه ، كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة . والثانى : نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد ، وإليه أشار حيث قال { وهديناه النجدين } البلد : 10 وقال { فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} . والثالث : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإياها عنى بقوله : {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} الأنبياء : 7 وقوله {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم } الإسراء : 9 . والرابع : أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هى بالوحى أو الإلهام والمنامات الصادقة ، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء ، وإياه عنى بقوله { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } الأنعام : 90 وقوله { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت : 69.