أراد الله سبحانه وتعالي ان يجنبنا التخبط في الطريق إليه فأنزل القرآن الكريم كتاباً فيه هداية للناس وفيه دلالة علي اقصر الطرق لكي نتقي عذاب الله وغضبه والله سبحانه وتعالي قال: »هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ» أي ان هذا القرآن هدي للجميع فالذي يريد ان يتقي عذاب الله وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية. يقول الحق سبحانه وتعالي: »هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ» وقد قلنا ان الهدي هدي الله لانه هو الذي حدد الغاية من الخلق ودلنا علي الطريق الموصل إليها، فكون الله هو الذي حدد المطلوب ودلنا علي الطريق إليه فهذه قمة النعمة لانه لم يترك لنا أن نحدد غايتنا ولا الطريق إليها، فرحمنا بذلك مما سنتعرض له من شقاء في أن نخطئ ونصيب بسبب علمنا القاصر فنشقي وندخل في تجارب ونمشي في طريق ثم نكتشف أننا قد ضللنا فنتجه الي طريق آخر فيكون أضل واشقي. وهكذا نتخبط دون أن نصل الي شئ واراد سبحانه ان يجنبنا هذا كله فأنزل القرآن الكريم كتابا فيه هداية للناس وفيه دلالة علي أقصر الطرق لكي نتقي عذاب الله وغضبه والله سبحانه وتعالي قال »هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ» أي ان هذا القرآن هدي للجميع، فالذي يريد ان يتقي عذاب الله وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية فالهدي من الحق تبارك وتعالي للناس جميعاً ثم خصص من آمن به بهدي آخر وهو ان يعينه علي الطاعة. اذن فهناك هدي من الله لكل خلقه وهو أن يدلهم سبحانه وتعالي ويبين لهم الطريق المستقيم هذا هو هدي الدلالة وهو ان يدل الله خلقه جميعاً علي الطريق الي طاعته وجنته واقرأ قوله تبارك وتعالي: »وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَي عَلَي الْهُدَي» »فصلت:17». اذن الحق سبحانه وتعالي دلهم علي طريق الهداية ولكنهم احبوا طريق الغواية والمعصية واتبعوه هذه هداية الدلالة أما هداية المعونة ففي قوله سبحانه: »وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًي وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ» »محمد :17» وهذه هي دلالة المعونة وهي لا تحق إلا لمن آمن بالله واتبع منهجه وأقبل علي هداية الدلالة وعمل بها والله سبحانه وتعالي لا يعين من يرفض هداية الدلالة بل يتركه يضل ويشقي. ونحن حين نقرأ القرآن الكريم نجد ان الله تبارك وتعالي يقول لنبيه ورسوله : »إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ» »القصص: 56» وهكذا نفي الله سبحانه وتعالي عن رسوله صلي الله عليه وسلم ان يكون هاديا عمن أحب ولكن الحق يقول لرسوله : »وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَي صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» »الشوري:52» فكيف يأتي هذ الاختلاف مع ان القائل هو الله؟ نقول عندما تسمع هذه الآيات اعلم ان الجهة منفكة يعني ما نفي غير ما أثبت ففي غزوة بدر مثلا اخذ رسول الله حفنة من الحصي قذفها في وجه جيش قريش يأتي القرآن الكريم الي هذه الواقعة فيقول الحق سبحانه: »وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَي» »الانفال:17» نفي للحدث واثابة في الآية نفسها كيف رمي رسول الله مع ان الله تبارك وتعالي قال: »وَمَا رَمَيْتَ»؟ نقول انه في هذه الآية الجهة منفكة، الذي رمي هو رسول الله ولكن الذي أوصل الحصي الي كل جيش قريش لتصيب كل مقاتل فيهم هي قدرة الله سبحانه وتعالي، فما كان لرمية رسول الله حفنة من الحصي يمكن ان تصل الي كل جيش الكفار ولكن قدرة الله هي التي جعلت هذا الحصي يصيب كل جندي في الجيش. أما قول الحق سبحانه وتعالي لرسوله : »وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَي صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» فهي هداية دلالة أي ان رسول الله صلي الله عليه وسلم بتبليغه للقرآن وبيانه لمنهج الله قد دل الناس كل الناس علي الطريق المستقيم وبينه لهم.