لا مفاجأة في أن أسعار الأسمنت قد أسرعت بالارتفاع حتي وصل سعر الطن إلي 600 جنيه ويتجاوز ذلك إلي 620 جنيهاً، فهي نتيجة طبيعية لأن تكون صناعة الأسمنت في يد شركات للقطاع الخاص ما بين مال مصري خالص وأجنبي مشارك! ونحن نتذكر أن شركات الأسمنت القائمة حتي الآن قد عوقبت من قبل بغرامات وصلت إلي مليون جنيه علي كل شركة وكانت أسباب ذلك اكتشاف شبكة احتكارية تكونت بين شركات الأسمنت مما أسفر عن اشتعال أسعار الأسمنت، كما حدث ذلك في حديد التسليح - علي عهد وزير الصناعة الأسبق محمد رشيد ما قبل ثورة 25 يناير 2011! أيامها- فيما نتذكر- ان وصل سعر طن الأسمنت إلي 600 جنيه ووصل حديد التسليح إلي حوالي عشرة آلاف جنيه للطن الواحد مع اختفاء الحديد والأسمنت من السوق وظهورهما فقط في دهاليز السوق السوداء! وعندما صدر الحكم بهذه الغرامات في عام 2008 صرخت مصانع الأسمنت محتجة علي هذه الغرامات وشنت هجوماً عنيفاً علي وزير الصناعة محمد رشيد الذي كان وراء كشف التنظيم السري الاحتكاري لتجارة الأسمنت وخلال عامين من ثورة 25 يناير كنت أعرف أصحاب العديد من مكاتب المقاولات الذين يفكرون جدياً في إغلاق مكاتبهم بعد اشتعال أسعار الأسمنت ومستلزمات البناء وعمالة المقاولات وكنت أتصور أن حديث أصحاب المكاتب عن إغلاقها مجرد شكوي أو «فضفضة»! خاصة اننا جميعاً قد لاحظنا انتهاز أصحاب الأراضي فرصة الانفلات الأمني لإنشاء العمارات المخالفة والعمل لإنهائها ليلاً ونهاراً بحيث لا يمكن مراقبتها وقد غابت الرقابة تماماً من المحليات المعنية بشئون تراخيص البناء والهدم وكان هذا البناء اللاهث يشير إلي أن هناك طلباً عالمياً علي مواد البناء مما أغري شركات الأسمنت علي رفع أسعارها دونما سبب! وقد قرأت في «الوفد» أن رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية قد اتهم صراحة أصحاب مصانع الأسمنت بمسئوليتهم عن ارتفاع الأسعار حيث يعمد أصحاب المصانع إلي تعطيش السوق من خلال خفض الطاقة الإنتاجية للمصانع والتي وصلت إلي 50٪ من إجمالي الإنتاج! ثم انتقد رئيس الشعبة تجاهل وزارة الصناعة وقطاعها للتجارة الداخلية شكاوي الشعبة لها في هذا الصدد!. الذي فوجئت به أن رئيس الشعبة قد أعلن أن الشعبة قدمت مذكرة إلي رئيس الوزراء د.هشام قنديل تطالب فيها بتفعيل القرار رقم 10 الصادر عام 2006 من وزير الصناعة الأسبق محمد رشيد، والذي يتيح للمسئول الحق في تحديد أسعار الأسمنت لمدة 6 أشهر في حالة اتضاح وجود اتفاق ضمني لأصحاب المصانع تعطيش السوق أو زيادة الأسعار والمفاجأة هنا أن معني تفعيل القرار وضع تسعيرة جبرية لحماية السوق! وهو الذي أصبح عند الحكومة الحالية «أبغض الحلال» الاضطراري الذي يعتدي علي «حرية السوق»! مما يؤكد اننا في الطريق إلي سوق سوداء أشرس من رفع أصحاب المصانع الأسعار! والسوق السوداء في تجارة الأسمنت ستزيد واقع الصورة في مجال المقاولات والتشييد قتامة أكثر مما عليه الآن! ويكفي أن أذكر هنا أن هناك 24 ألف شركة مقاولات من الشركات الكبري قد أغلقت أبوابها بالفعل! وهو إحصاء رسمي كما ذكر الإعلامي عماد أديب في حديث له علي شاشة قناة «سي.بي.سي» قبل عشرة أيام تقريباً! ولو بادرت الحكومة بالسماح باستيراد الأسمنت فإن أصحاب المصانع سيصرخون تباكياً علي إضرار الحكومة بالصناعة المحلية! تماماً كما حدث في صناعة السيراميك علي عهد رئيس الوزراء الأسبق د.عاطف صدقي الذي سمح باستيراد السيراميك وقد أصبح في متناول أيدي المستهلكين مما جعل أصحاب مصانع السيراميك يناشدون رئيس الوزراء وقتذاك منع الاستيراد فلما استجاب رئيس الوزراء لمطالبهم- حماية للصناعة المحلية والتي يمكن أن تكون الأرخص- إذا بهم ينقلبون بانتهاز فرصة انفرادهم بالسوق! وارتفعوا بأسعار السيراميك إلي معدلات فاقت سعر السيراميك المستورد! ولكن الأصل عندي في موضوع أسعار الأسمنت ان مصر قد فرطت في صناعتها الأسمنتية العريقة! فباعت ما كان ملكها من المصانع إلي ملاك لا يشبعون! ولا يتعففون عن أي كسب حرام!.