لم تكن القمة الإسلامية التي عقدت في قاهرة المعز أمس حدثاً عابراً، أو قمة عادية، بقدر ما كانت إيذاناً لعودة مصر، بثقلها التاريخي والإنساني والثقافي والاجتماعي، للصدارة، مدشنة بذلك مرحلة جديدة، ليس من تاريخها وحسب وإنما من تاريخ المنطقة برمتها. ما يجعلنا نتفاءل ونحن نقرأ ما جرى أمس في مصر، هو كلمة الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، التي وثقت تلك المرحلة الجديدة، من خلال التركيز على العديد من القضايا الإسلامية التي باتت الشغل الشاغل للعالم اليوم، خاصة في ظل ما تمر به بلدان عربية من مخاض عسير تمثل في ثورات شعبية غيرت أنظمة ورسخت مفاهيم الحرية بعد عقود طويلة من حكم أنظمة مستبدة، غيبت دور شعوبها، وغابت خلف شعارات زائفة. إن الحضور الكبير لقادة ورؤساء وملوك وأمراء دول عربية وإسلامية لمصر لحضور القمة الإسلامية، مؤشر آخر على وعي تلك الدول والحكومات بحتمية الدور المصري القائد في أمّتيه الإسلامية والعربية. لقد ظلت مصر طيلة عقود من حكم النظام السابق بعيدة عما يجري في محيطها العربي والإسلامي، ولم تتجرأ القاهرة في عهد النظام البائد على استضافة أي من القمم الإسلامية السابقة، حتى إذا ما جاءت رياح الثورة والتغيير، بدأت مصر تدشن عصرها، فكان أن وجدت في القمة الإسلامية على أرضها، الطريق الأوسع لتتصدر المشهد مجدداً. وإذا كان الحضور الكبير للقمة الإسلامية في القاهرة قد أعلن بدء قيام مرحلة جديدة في إطار التعاون الإسلامي، فإن الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري محمد مرسي، جسد هو الآخر طبيعة الدور الذي يؤمل من مصر أن تقوم به. لقد دعا الرئيس المصري قادة الدول المشاركة في القمة الإسلامية الثانية عشرة إلى الاتفاق على تأسيس آلية ذاتية فعالة لفض النزاعات بالطرق السلمية، والتعامل مع كافة الأزمات التي تواجه الدول الإسلامية. الدعوة تأتي تحقيقاً لرؤية باتت مترسخة لدى العديد من القادة، خاصة في ظل عجز مجلس الأمن والمجتمع الدولي عن إيجاد حلول جذرية للعديد من مشاكل المنطقة، ولعل مثالها الأبرز سوريا التي ما زالت تنزف منذ عامين دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً. كما أن هذه الدعوة تذكرنا بما سبق أن دعا إليه حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى حول ضرورة قيام قوة عربية قادرة على التدخل لفض النزاعات في المنطقة. المقترح وجد ترحيباً كبيراً من قبل القادة المشاركين في القمة الإسلامية، كما أنه بات يمثل لدى العديد من الشعوب مطلباً جماهيرياً، في ظل انحسار دور المنظمة الدولية لحساب منظمات إقليمية هنا أو هناك. مصر اليوم بقامتها العالية تعود من بعيد، لتؤكد من جديد أنها ما زالت قادرة على أن تكون فاعلة، ومؤثرة، فرغم كل ما تمر به من ظروف داخلية -تعد نتيجة طبيعية لمرحلة التحول من النظام القمعي الاستبدادي الشمولي إلى النظام الديمقراطي- إلا أنها تتفاعل مع قضايا أمتها، لترسل من خلال ذلك العديد من الرسائل لمن يهمه الأمر، بأن مصر الثورة عادت لتقود.