بعد أن تخطى بأعجوبة كل الإجراءات الأمنية المشددة للوصول إلى حيث مقر القمة، وقف المواطن العربي عبد القادر في منتصف قاعة القمة العربية التنموية الاقتصادية، وصرخ بأعلى صوته في وجه كل الحضور من القادة والرؤساء والصحفيين والضيوف، الذين أصابتهم الدهشة: أيها السادة الرؤساء، أيها القادة العظماء، أيها الساسة المبجلون.. نريد واقعاً حقيقياً لمشاكلنا العربية وليس أحلاماً بعيدة كل البعد عما يدور على الأرض. أنا مواطن عربي.. حيث عروقي مبتلة من مياه الخليج العربي.. ودمي يسيل في نهري دجلة والفرات.. ووجداني هائم في بلاد المغرب العربي وجسدي ممدد في أرض الكنانة وأحلامي مسافرة في أرض اليمن السعيد. أنا صديق محمد البوعزيزي وخالد سعيد.. أنا كسر عشري من 340 مليون مواطن عربي.. وجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الذي وقف ضد كل حاكم مستبد في ثورات الربيع العربي. عندما كنت طفلاً صغيراً جمعنا التبرعات من أجل سلة الغذاء العربي في السودان.. ودرست الفتوحات العربية والإسلامية في التاريخ.. ورسمت خريطة الوطن العربي بكل تفاصيلها في الجغرافيا وحفظتها عن ظهر قلب.. وعرفت أين تزرع الحمضيات وأين تمتد غابات الصمغ العربي وأين يوجد الفوسفات. أيها السادة أصحاب الفخامة الرؤساء.. أنا مواطن عربي يبحث عن قمة عربية يحارب فيها الفقر والجهل والمرض.. وليس قمة علاقات عامة وخطابة.. قمة قريبة من قلوب وأحاسيس الشعوب.. لا قمة بعيدة كل البعد عن واقعنا العربي. يا ساسة، يا قادة، يا رؤساء.. أنتم تتحدثون عن التكامل الاقتصادي وأنتم بعيدون كل البعد عن التكامل.. حيث يحارب بعضكم البعض.. حروب في ميادين السياسة وأخرى في ميادين الاقتصاد.. حتى باتت معدلات التجارة البينية بين الدول العربية لا تتعدى ال 10%. بسياساتكم قسمتم السودان وأعلنتم الحرب في العراق وزرعتم الطائفية بيننا.. وأنتم من عززتم الحدود في الوطن العربي حتى أصبح المواطن لا يستطيع أن يتنقل من دولة إلى دولة في الوطن العربي دون تأشيرة دخول. أنتم نشرتم البطالة، حتى أصبحت البطالة في بعض دولنا تزيد على 25%.. أنتم من أسهمتم في نشر الفقر والمرض.. حتى اجتمعنا كشعوب عربية في ساحات وميادين التحرير رافعين شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ضد الفساد وانعدام الشفافية. لقد اجتمعتم في قمتكم هذه وتحدثتم بنفس وتيرة الحديث القديم المتجدد.. ونحن ننصت ونتمنى في كل مرة أن تكون هذه المرة غير المرات السابقة.. ولكن يبدو أنكم في وادٍ والشعوب العربية في وادٍ آخر.. حتى عمّت الفوضى وانتشرت الثورات في أرجاء الوطن العربي.. فحرق البوعزيزي نفسه من أجل لقمة عيش كريمة.. ومات خالد سعيد من أجل الحرية.. وثارت كل من تونس ومصر واليمن وليبيا حتى وصلت الثورة إلى أبواب دمشق القديمة.. ونحن نبحث عن حريتنا وكرامتنا. فنحن اليوم أضعف مما كنا عليه منذ خمسين عاماً.. فهل من معتصمٍ يحفظ كرامتنا أو عابدٍ يخاف الله فيحفظ حقوقنا؟ تعب عبد القادر من الصراخ في القمة وأحس بالعطش الشديد، وابتلع ريقه وهو يجول ببصره على كؤوس الماء البارد الموضوعة أمام الرؤساء على مد الطاولة المستديرة.. علم أن لا جدوى من الحديث إلا بالدعاء إلى رب العباد.. قرر أن يدعو وهو في أوج عطشه ووهنه.. فربما تكون أقرب للاستجابة.. وأصبح يردد: أنا عبد للقادر على أن يغير ويزيل كل مستبد.. أنا عبد للقادر على أن يزيل كل سلطان جائر.. أنا عبد للقادر على أن يبسط العدل بين عباده.. أنا عبد للقادر على أن يقتص من كل من ظلم وتجبر.. واستمر عبد القادر يردد أنا عبد للقادر.. حتى استيقظ مفزوعاً من نومه ومسح بيده العرق من على جبينه.. وحمد الله أنه كان يحلم.. فلولا أنه كان مجرد حلم لما سلم من الاعتقال من قبل بعض الأنظمة العربية.. ولأصبح اسمه الآن على لائحة الممنوعين من الدخول إلى بعض الدول العربية. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية