الثورة المصرية ترجع إلى الخلف وتدفعها جماعة الإخوان بعد أن اختطفتها إلى السقوط فى الهاوية ولم تنجح مقاومة شبابها فى إنقاذها من المصير المهلك الذى تذهب إليه، خاصة أن الجماعة صنعت متاريس أمامها حتى لا تتقدم ومهدت طريق الفشل لها حتى تنهى الحالة الثورية التى تعيشها البلاد منذ اندلاعها. وكانت النتيجة أن تحولت الثورة البيضاء إلى مادة للسخرية لدى بعض قادة العالم. الإخوان لم تكن يوماً جماعة ثورية، بل إنها لم تشارك فى الثورة من بدايتها ولكنها وجدت نفسها فى لحظة فارقة بين انحيازها إلى نظام مبارك وخسارة السلطة إلى الأبد وبين مشاركتها الثوار وسرقة الثورة بعد ذلك فاختارت الأخيرة ونزلت إلى الميدان ولكنها بعد تنحى مبارك لم تظهر فى الميدان إلا للدفاع عن المجلس العسكرى فى ذكرى الثورة الأولى التى حولتها إلى احتفالات بدلاً من إسقاط العسكر الذى عقدت معه صفقات للوصول إلى السلطة. وبسبب ممارسات الجماعة فى الحكم لم تعد ثورة 25 يناير تبهر العالم كما حدث فى بدايتها حيث أجبر شباب الثورة شعوب العالم على متابعة ما يجرى فى ميدان التحرير طوال 18 يوماً، وحينما نجحت فى خلع الرئيس الديكتاتور مبارك كانت تصريحات الإعجاب والانبهار تتصدر الصحف العالمية وكان قادة الدول يرسمون الصورة الوردية للبلاد بعد حكم مبارك، ومدت الدول يدها إلى مصر وأعلنت عن تقديمها مساعدات وتبرعات وكان قطار الثورة ينطلق نحو الديمقراطية والحرية وكانت البلاد على قلب رجل واحد. ولكن جماعة الإخوان عطلت القطار وتحالفت مع قائده الممثل فى المجلس العسكرى وتحكموا فيه حتى نجحوا بمرور الوقت فى أن يسيطروا على مقعد القيادة ويغيروا اتجاه القطار إلى محطة الديكتاتورية وقمع الحريات، ولم يكتفوا بذلك، بل إنهم حاولوا تشويه كل ركاب القطار بعد أن أنزلوا رجالهم منه وبمرور الوقت أصبحت الثورة فعلاً سيئة السمعة يستخدمه الحكام الديكتاتوريون كفزاعة لشعوبهم حتى لا يثوروا عليهم وانقلبت الصورة الوردية للثورة البيضاء إلى صورة قاتمة بعد أن كستها الجماعة باللون الأسود. الرئيس الباكستانى آصف على زرداى الذى يواجه هجوماً عنيفاً من المعارضة على سياساته الديكتاتورية فى الحكم استغل خطابه بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة لمقتل رئيسة الوزراء السابقة «بينظير بوتو» ليسخر من التجربة المصرية قائلاً: «إن نموذج الحكومة المصرية لا يمكن تحقيقه أو السعى إليه فى باكستان وإن كان هناك من يظن أنه يمكن تحقيقه فإنه مخطئ تماماً ولن ينجح هذا الأمر وإن حزب الشعب الحاكم لن يسمح بتطبيق النموذج المصرى على أرض باكستان». والغريب أنه فى الوقت الذى كان يخشى فيه العديد من السياسيين والخبراء من تكرار النموذج الباكستانى فى مصر بعد الثورة حيث يتحكم الجيش فى السلطة رغم وجود رئيس منتخب، وكان هناك مخاوف من تطبيق المجلس العسكرى السابق تلك التجربة فى الحكم، إلا أن الرئيس الباكستانى الذى تعد بلاده من الأنظمة الديكتاتورية يهاجم التجربة المصرية بعد الثورة واستغل انحراف الإخوان عن مثار الثورة وحالة الانهيار الذى وصلت إليه البلاد بعد وصولهم إلى السلطة ليؤكد أن نظامه القمعى لن يسير على خطى الإخوان. ولم تكن باكستان وحدها التى سخرت، لكن حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال فى المغرب الذى يشارك حزب العدالة والتنمية الإسلامى فى الحكومة هاجم التجربة المصرية فى الحكم واتهم حليفه حزب العدالة والتنمية بالسعى لمصرنة المغرب من خلال تسييد الفكر الواحد والحزب الواحد ووصف شباط الربيع العربى بالشتاء الدموى الذى أسفر عن صراعات طائفية وعرقية. وقال شباط: «كان هناك حزب إدارى كان يريد تونسة المغرب فى إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، أما الآن فهناك حزب يريد مصرنة المغرب وأنه لابد أن تتخذ إجراءات استباقية حتى لا ينتقل الفيروس من دول عربية ونصبح مثل البلدان التى لم تعد تؤمن سوى بالفكر الوحيد». ليس هذا فقط، بل إن الإمارات التى كانت من أكبر الدول الصديقة لمصر شنت هجوماً عنيفاً على الإخوان وتحول موقفها من الداعم للنظام المصرى إلى المعادى بعد وصول الإخوان إلى السلطة حتى إنها ألقت القبض على عدد من المصريين هناك بحجة الانتماء إلى تنظيم الإخوان. ثورة 25 يناير لا تتحمل ذنب الهجوم على التجربة المصرية، خاصة أن العالم كله أشاد بها فى الأيام الأولى حتى خلع مبارك، وكانت سلمية الثورة مسار إعجاب الجميع لكن ممارسات الجماعة واهتمامهم بالسيطرة على مفاصل الدولة أكثر من اهتمامهم بالتنمية والإصلاح السياسى والاقتصادى وكانت النتيجة مزيداً من الانتكاسات فى جميع المجالات وتشويه صورة مصر إلى حد أنها أصبحت نموذجاً يقتدى به فى سوء الحكم وسيطرة فصيل واحد على الدولة. ميدان التحرير أيضاً تعرض لعمليات تشويه واضحة من الإخوان والإسلاميين، فالميدان الذى كان رمزاً للثورة تحاول الجماعة أن تصوره لقيطاً بلا أى حماية وأن فلول النظام السابق والبلطجية سيطروا عليه وهو ما لم يحدث. ففى الأيام الأولى كان ميدان التحرير من المعالم الثورية التى يحرص قادة العالم على مشاهدتها ومنهم الرئيس التركى عبدالله جول الذى زار الميدان فى الأيام الأولى من الثورة ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون وديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا وبان كى مون سكرتير عام الأممالمتحدة والسيناتور الأمريكى جون كيرى ورئيسة المفوضية العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبى كاثرين أشتون وجيرزى بوزيك رئيس البرلمان الأوروبى وآلان جوبيه وزير خارجية فرنسا ووزير الخارجية الألمانى فيستر فيلة ووزير خارجية النرويج جارستورة بالإضافة إلى جوزيف ليبرمان رئيس لجنة الأمن الداخلى الأمريكى. لكن الزيارات انقطعت بعد وصول الرئيس مرسى إلى السلطة ولم يعد يطلب قادة الدول أثناء زيارتهم إلى مصر زيارة ميدان التحرير والتجول فيه خاصة بعد أن نجحت الجماعة فى تشويه الثورة والميدان وبفضل سياسة السيطرة دخلت البلاد فى حد الخطر الاقتصادى والتشوه السياسي، خاصة بعد أن أهملوا الدولة واهتموا فقط بالسيطرة عليها. لولا الإخوان لانتصرت الثورة وحققت أهدافها وتقدمت البلاد إلى الأمام، ولكنها أدارت مخطط إنهاء الحالة الثورية حتى يكون طريقها إلى السلطة مفروشاً بالورود وسعت إلى تطويع كل مؤسسات الدولة لتكون فى خدمتها ولتحقق أهدافها وعندما وجدت مقاومة منها اشتبكت معها فى محاولة لأخونتها. الجماعة سرقت الثورة بتحالفها مع المجلس العسكرى بعد تنحى مبارك واستخدمت شعارات التخوين والتكفير لكل من يعارضها حتى حصلت على الأغلبية البرلمانية فى مجلس الشعب المنحل وبعدها تراجعت عن وعودها بعد الترشح للرئاسة فى وقت كان يسعى فيه الجميع إلى التحالف والتوحد وقامت بترشيح الدكتور محمد مرسى كمرشح احتياطى لخيرت الشاطر نائب المرشد الذى دفعته ليكون فى مقدمة المتنافسين على كرسى الحكم. وبعد استبعاد الشاطر أدارت الجماعة حملة دعائية وأكاذيب ضخمة وعدت فيها الشارع بالجنة الموعودة وبعد أن حصلت على كرسى الحكم نتيجة التصويت العقابى للمرشح المنافس لمرسى فى جولة الإعادة أحمد شفيق تراجعت عن كل وعودها وتركت مطالب الشعب المصرى وراحت تدير معركة تكسير عظام مؤسسات الدولة حتى تخضعها لسيطرتها. الجماعة لم تكتف بذلك بل أطلقت ميليشياتها على الثوار لتؤدبهم وتعتدى عليهم لمجرد أنهم اعترضوا على سياسات مرسى الديكتاتورية التى تكرس لسياسة الجماعة الواحدة وشوهت الجماعة أيضاً كل رموز المعارضة فانفض الجميع من حولها حتى أصبحت وحيدة تصارع فى معركة السلطة والتمكين من الدولة. مظاهرات 25 يناير الثانية الفرصة الأخيرة للثوار لاسترداد ثورتهم من قبضة الجماعة التى لم تكن أبداً الحارس الأمين عليها، بل إنها استخدمتها كسلم للوصول إلى كرسى الحكم وعندما وصلت حطمت السلم وقتلت كل الوسائل الديمقراطية فى الوصول إلى الحكم. الدكتور سعيد اللاوندى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وأستاذ العلاقات الدولية قال إنه فى الأيام الأولى من الثورة كان هناك إعجاب شديد من كل قادة العالم بها خاصة بعدما نجحت فى خلع الرئيس السابق دون أن يكون هناك عنف وكان الجميع ينظر إلى التجمعات الشعبية يوم 25 يناير بقلق ولكنه سرعان ما تحول إلى إشادة وانبهار بعدما تحولت إلى ثورة بيضاء تخلصت من نظام قمعى. وأضاف أنه حدث خلط للأوراق بعد ذلك وحدثت مشاحنات سياسية مزمنة بين القوى السياسية وغاب الأمن عن الشوارع وزاد الحديث عن الإفلاس الاقتصادى ومخاوف صندوق النقد الدولى من منح مصر القروض وهو ما أثر بالسلب على الثورة المصرية بعد ذلك وجعلها متهمة بين كل دول العالم بأنها مسئولة عما يحدث فى مصر وهو أمر غير صحيح. وأشار إلى أن الثورة تعرضت للاختطاف على يد الإخوان وهم جماعة ليس لديهم خبرة كافية فى الحكم خاصة أن عمرها كله قضته فى السجون والمعتقلات. وأضاف أن رئيس الدولة تحدث طويلاً عن مشروع النهضة وأنه سيحول البلاد إلى جنة ولكن لم يحدث أى بادرة أمل فى التغيير عندما وصل إلى الحكم وكان هناك سوء إدارة للمرحلة وتغييرات كثيرة فى الحكومة وهو دليل على عدم الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى عدم عودة الأمن وهو ما انعكس سلباً على الاقتصاد. وقال وجيه شكرى القيادى بحزب التجمع إن ممارسات الإخوان فى السلطة تتحمل ذنب الصورة السيئة التى تم الترويج لها عن التجربة المصرية، فالثورة بريئة من ذلك والإخوان لا يريدون أن يفهموا المعنى الحقيقى لإدارة الدولة، فهم لا يسعون إلى صالح مصر ولكن إلى تمكينهم من مفاصل الدولة ومن كل السلطات وتهميش المعارضة ومنع الثورة عليها وهو ما أدى إلى تدهور اقتصادى وسياسى حتى إن الرئيس نفسه يردد أرقاماً غير صحيحة عن واقع الاقتصاد ليجمل الصورة السيئة للبلاد فى عهده. وأكد أن ربيع الثورات امتد إلى ليبيا وتونس، ولكن لا يوجد هجوم عليهما لأنهما سعيا إلى التوافق الوطنى وإلى لم الشمل ولم يسيطر فصيل واحد على السلطة. وقال طارق زيدان رئيس حزب «الثورة مستمرة»: «الهجوم على التجربة المصرية معناه أن الثورة أصبحت سيئة السمعة خاصة من جماعة الإخوان التى وصلت إلى السلطة ولم تتقدم بالبلاد سياسياً واقتصادياً بل زادت الأحوال سوءاً، وتحول الإعجاب الذى أبداه الجميع بالثورة إلى هجوم عليها وفزاعة من قادة الدول لشعوبها. وأشار إلى أن مصر على يد الجماعة تسير إلى أسوأ، والمطلوب الآن من الشباب هو إعادة تصحيح مسار الثورة والنزول يوم 25 يناير القادم للدفاع عن الثورة وإسقاط الدستور الإخوانى وليس مطلوباً من الجماعة سوى أن تستجيب لمطالب الشباب الذين قادوا الثورة إلى خلع نظام ديكتاتورى ولا تريد أن تعيد إنتاج نظام ديكتاتورى آخر يقتل الحريات ويساهم فى تشويه صورة مصر وتجربتها الديمقراطية فى الخارج.