عقب حادث قطار الصعيد (العياط 2002) بيومين عاد الدكتور إبراهيم الدميري وزير النقل وقتها من كندا.. في مكتبه كنا ننتظره مساء ليعقد مؤتمراً صحفياً.. كل مساعديه ومستشاريه، أكدوا أن المؤتمر - كما أخبرهم الوزير - سيتناول إجراءات لمواجهة حوادث القطارات.. واستبعدوا جميعاً أن يقدم الوزير استقالته. مر الوقت بطيئاً مملاً حتي صارت الساعة العاشرة مساء. وتعدي الموعد المحدد بساعة كاملة.. لم يأت الوزير.. ولم نجد رداً من أحد عن سر عدم حضوره.. بادرت وقتها بالاتصال بالمطار لمعرفة هل عاد الوزير من الخارج، أم تأخرت الطائرة.. وتأكدت أن الوزير قد عاد قبل ساعتين، وأن وزير الإدارة المحلية مصطفى عبدالقادر قد التقاه في قاعة كبار الزوار لدقائق، بعدها استقل كل منهما سيارته وانطلقا كل في طريق. وتأكد بعدها أن الوزير الذي التقي الدميري في المطار أبلغه رغبة القيادة السياسية بأن يقدم استقالته لامتصاص غضب الشعب، عقب الحادث الذي حمَّل رئيس الوزراء وقتها عاطف عبيد مسئوليته لأحد الصعايدة. ادعي أنه كان يشعل وابور جاز يعد عليه الشاي داخل القطار. هكذا رأت الحكومة أن السبب وابور جاز، وتصرف سيئ من مواطن بسيط غير مقدر لخطورة تصرفه.. ولم يبق إلا كبش فداء، لابد وأن يكون كبيراً ثميناً وسميناً في حجم الكارثة. ولم يكن مناسباً للفداء إلا أن يفقد الدميري منصبه الوزاري الرفيع، فتمت إقالته وانتهي الموضوع. وعقب حادث قطار أسيوط تمت التضحية بالوزير محمد رشاد المتيني وزير النقل بعد أن أعلن مسئوليته السياسية عن الحادث الذى وقع عند قرية المندرة بمركز منفلوط فى 17 نوفمبر 2011، وأسفر عن مقتل أكثر من ستين طفلاً. وبعد حادث «الجاموسة» (العياط 2009) ، كان لابد من البحث عن الكبش لفداء من قتلوا فى حادث غريب بسبب خصام هيئة السكة الحديد مع تكنولوجيا الاتصالات. فلم يكن أمام الوزير «المظلوم» محمد منصور وزير النقل إلا أن يقدم استقالته ويستريح من أوجاع منصبه.. ورغم التضحية بالمسئولين لامتصاص غضب الغاضبين لم يعد آلاف الضحايا للحياة، ولم تتحدد المسئولية، ولم نعرف السبب الحقيقي حتي الآن لأسوأ حوادث القطارات التى تشهدها مصر. وفى ظل سياسة التضحية بالكباش والصوت العالى المطالب باستقالة الوزراء عقب كل مصيبة، أسحب اقتراحى السابق بتعيين 100 «كبش» بدرجة وزير عند تشكيل الحكومة الجديدة تتم التضحية بهم عند الكوارث التى تنهال فوق رؤوس المصريين، وأجدنى اليوم بعد حادث قطارى البدرشين الذى راح ضحيته حوالى 200 مصاب وقتيل، أطالب ب«كبش فداء» بدرجة رئيس وزراء يتناسب مع حجم الكوارث التى حدثت فى عهده.. وحادث البدرشين قبل يومين ليس مجرد حادث قطار ككل الحوادث السابقة، إنه حادث مختلف تماماً، لأنه يكشف عن واقع جديد لدولة تدنى فيها مستوى مرافقها التى سبقت العالم بتنفيذها فى الماضى. يا سادة مصر هى ذلك القطار الذى طاش واندفع دون وعى أو رؤية وخرج علي القضبان، وأسقط الضحايا.. يا سادة لسنا فى حاجة التضحية بكبش جديد، ولا حتى بعجل كبير بحجم الكارثة، الموضوع ليس مجرد حادث قطار.