مصر لها طبيعة جغرافية جيولوجية فريدة، جعلت لها المقومات التي صنعت أزهي وأقدم الحضارات: النيل والأرض والإنسان المصري. نيل موسمي الإيقاع فرض تنظيم الري لأرض صحراء جرداء يكفيها طمي النيل لزراعتها، فكانت الحاجة لتنظيم وقانون وكان المصري هو أول من صنع دولة وسلطة حكم. مركزية بحكم انحسار التجمع العمراني بالوادي لزراعته. كان ذلك مناسباً للعصر ونفوذ الدولة المصرية الذي يصل من منابع النيل حتي مصبه، وقلة عدد المصريين ولو تركزت كثافتهم بالوادي للزراعة. اليوم انقطع السودان عن مصر وانحسرت حدودها من البحر الأبيض إلي أبوسنبل، ثم قطع من السودان جنوبه كما ضاعت كل سيطرة لمصر علي مياه النيل، حتي نصيبها من مياه النيل أصبح مهدداً، وهو الماء الذي يجري في شرايين جسد مصر. وادي النيل هو أمن الغذاء والنيل ماء الحياة كل تعدي عليهما هو قتل لشعب مصر، وأخطر أنواع هذا التعدي، هو حياة المصريين بمدنهم وعمرانهم في الوادي، مجتمع يلتهم الأرض الزراعية، يحول خضرة الزرع إلي رماد الأسمنت وحمرة طوب البناء، يلوث النيل ومياهه، ورغم قلتها يصدرها للصحراء لزراعتها فتلتهمها الرمال فهي كقطرة ماء في محيط من الرمال. الإحصائيات والدراسات العلمية تشير إلي أن العمران يستهلك خمسين ألف فدان سنوياً من أرض الوادي الزراعية، ومثيلها من الأرض المتاخمة للوادي الصالحة للزراعة. الزيادة المطردة للسكان لها أفدح النتائج بالنسبة لمصر بالذات حينما تتمركز في الوادي، هو خراب مصر بضياع الزراعة والتخلف الاقتصادي والحضاري لشعبها بسبب التكاثف السكاني والازدحام وتكاثر الأزمات وتزايدها، هذا التكاثف هو نتيجة حتمية لمركزية اتخاذ القرار، مهما لبس النظام من ثياب ديمقراطية فالإنسان كالفراش حول النور، لا يبعد عن مواطن السلطة حيث سبل العيش وقضاء الحاجات. فبحتمية الحياة أو الموت، ليس فقط لا يصلح مصر إلا نظام جمهوري برلماني، بل يكون في ظل دستور يمنع السلطة المركزية تماماً، مع العقبات اللازمة حتي لا يمكن التعدي الدستور في هذا الخصوص بالذات. دستور ينص علي أن تكون مصر دولة ذات أقاليم موزعة علي كل مساحة أرض مصر، يكمن لكل منها حكم محلي كامل وإدارة مستقلة تماماً في إطار مشروع قومي تاريخي، يحقق دولة مصر الكبري. وادي النيل هو إحدي ولايات مصر الكبري، يحول إلي محمية طبيعية يحرم فيه البناء تماماً، وكل أعمال التعمير المختلفة، لا يسكنه إلا من يزرع الأرض، بالإضافة إلي العاملين بالسياحة وخدماتها، للاستفادة من الثروة العقارية الموجودة مسبقاً. إخلاء السكان من الوادي يتم في إطار مخطط طويل الأجل يعمل علي التنمية المركزية علي الأقاليم الجديدة. - زيادة وتنمية فرص العمل بتحويل استثمارات الدولة إلي الأقاليم الجديدة، مع المنع تدريجياً للاستثمار الخاص في الوادي، لتتوجه إلي الأقاليم الأخري، فتكون الهجرة التلقائية، حيث فرص العمل والإسكان السهل والاتساع الكبير للحيز الحيوي، والخدمات وسهولة العيش لصغر المجتمع. - عدد من يظل بالوادي يمكن أن يتراوح بين عشرين وثلاثين مليون مصري بدلاً من ثمانين. حينئذ تتم إزالة كل عمران عشوائي ورديء والزائد وغير المناسب، والمصانع والمخازن والطرق المهلهلة، وغيرها مما لا حاجة لنا فيه، وتتحول أراضيها بطول الوادي إلي الزراعة. - العقارات والثروة العقارية الخاصة بالدولة وتزيد علي حاجة الحكومة المحلية، تتحول إلي السياحة. - الملكية الخاصة للأراضي في الوادي تنحصر في الملكية للأرض الزراعية فقط، كل ما يتم بناؤه تتحول أرضه إلي ملكية الدولة، كذلك كل أرض لا تزرع، أو عليها بناء، أو بور وما شابه، هي ملك الدولة. - الملكية العقارية السابقة بالواديوالجديدة، تصبح أرضها ملك الدولة، وملكية العقار تصبح حق انتفاع لمدة محددة مع حق بيع حق الانتفاع أو الإيجار أثناء هذه المدة فقط. - إعادة التخطيط العمراني للوادي وتطويره وتنسيقه بما يناسب واستيعاب عشرات ملايين السائحين، يظل الحديث عن التربة الزراعية ومياه النيل والجوفية والسد العالي إلي حديث قادم أن شاء الله.